ليس غريبًا أن أستهلّ رسالتي هذه بتهنئتك بعد أن حصلت على درجة الحرية في تخصّص قهر السجون ومعاناتها، وبالمناسبة هي أعلى درجة إنسانية يمكن أن يحصل عليها المناضل خلال سنوات حياته. صحيح أن الحلم لم يكتمل بدره بعد، فالوطن لا زال يرزح تحت نير الاحتلال ولكن نظرية التراكم والتضحيات هي التي تصنع لنا ربوة يمكن أن نطلّ من فوقها لنرى معالم المستقبل ونلتقط خيوط الأمل!!
الطالب المجتهد يشعر بغصّة إذا ما تفوّق عليه أحد زملائه في الجامعة، أمّا في أكاديمية السجن فالأمر مختلف تمامًا، فكلّما سبقه مناضل لنيل الحريّة أمره بمزيد من العزيمة والصبر، وأدخل الفرحة إلى قلب رفاقه والإيمان بأنّ القيد حتمًا سينكسر، ولا أخفيك أنّ مشاعري ملتبسة في هذه اللّحظة، فهذه هي المرّة الأولى التي أخاطبك فيها كتابةً بعيدًا عن الحوارات الشيّقة التي كانت تجمعنا، فكثير من كلماتك لا تزال تتجول في رأسي كلّما اختطفْتُ من زمن السجن خلوة مع نفسي!!.
أخبرني أمير مخول وصالح أبو مخ عن بعض "الطراطيش" التي استمعوا اليها عبرَ "إذاعة العدو" حول المقابلات معك ونَشَرَتها الصحف المحلية ،وقد وصلتني عن طريق محكمة "الشليش" بأنّه تمّ احتجازك في الزنزانة حتى الساعة الرابعة صباحًا ومن ثَمّ تمّ نقلك بواسطة سيارة شرطة ليقوموا بالقائك على قارعة الطريق بالقرب من سهل البطّوف ، فعلى ما يبدو بأنّهم لا يعرفون كم للرصيف من رصيد في الثقافة العربية، وكم ساهم الرصيف في تخريج المناضلين والأدباء، فالقارعة وما أدراك ما القارعة هي شرفة الشارع المطلّة على هموم وطموحات البؤساء، فمن يلتقط بؤسهم من على الرصيف ويلامس همومهم يستطيع أن يقود الشارع بجدارة!!
صديقي حسام.... بعد تحرّرك جرت في إجراءات إدارة السجن عقوبات كثيرة، حيث تمّ سحب كاسات الزجاج، ومنع الملابس السوداء، وتقليل المشتريات من الخضار واللّحوم إلى كيلو ونصف بدلاً من ثلاثة، وأحيطك علمًا بأنّني خسرت (جلالة) البرش السفلى لأنّه تمّ انتزاعها، أمّا التفتيشات فحدّث ولا حرج، والبلاطة يتمّ تسليمها للشرطي عند العاشرة مساءً ليتم إعادتها صباحًا بعد العدد، ومن المتوقع أن يكون القادم أسوأ، وبما أنّنا نؤرّخ لحياتنا خلف القضبان بالأحداث الكبرى، أصبح لدينا تأريخ جديد: قبل الإفراج عن حسام وبعد الافراج عن حسام، ويتعلق التفسير بكل شخص، فهل هذا من حسن حظّك أم من سوء حظّنا؟! والعكس فيه قول آخر.
التوجيهي في نهاياته، ويوم الجمعة القادم سيكون آخر الامتحانات، وبطبيعة الحال سيكون امتحان اللّغة العربيّة، وسأتفرّغ من جديد للقراءة والكتابة، ففي رأسي تدور أفكار كثيرة، أتمنّى أن أجسّدها على ورق، لكنني ما زلت بحاجة الى ما يُشعل روحي ويوقد فيها جذوة الإلهام، وأنت تعلم أن "هي" هي الغائب الحاضر في محراب صلواتي الثلاث، أوليس كذلك يا صاحب الأقانيم؟!
لن أطيل عليك كثيرًا، فهذه باكورة رسائلنا بعد تحرّرك، وصدّقني أنّني شققتها بمعاناة وتعب على الرّغم من السهولة التي كتبتها فيها، وطبعًا الجميع من عندي يهدونك التحيّات والمحبة: أبو مخ ، راندي، متعب، أمير، حامد، سلطان ، الجاغوب، بشار ، علي مشاهرة، رائد السلحوت، (ميلاد)، إياد الجوهري، درباس، ناصر عبد ربه، عدنان مراغة (وقد علمنا بما أنجبت زوجاتهم عن طريق المحامي، لدرجة أن أبو هاشم تَنَهْنَهَ من كثرة البكاء). وكذلك السرساوي حيث باغتني اليوم بفطار داخل الغرفة (بسطراما، نكنيك، شمينت) وأجبرني على احتساء كاسة كولا بعد قطيعة استمرت ما يُقارب السنة، وأيضًا أبو جابر واعذرني على عدم ذكر الجميع لأنّ القائمة طويلة جدًا. وهذه آخر مرة سأكتب لك فيها أسماءهم، فقد أبلغتهم بأنّ من يريد أن يرسل لك سلاماته عليه أن يكتب.
ولا تنسَ نقل تحيّاتي وقبلاتي للأهل جميعًا، وخاصة الوالد والوالدة، والعزيز أبو أسعد وأتمنّى أن يكون أسعد قد تحرّر لأنني قرأت في جريدة القدس نبأ اعتقاله بعد مداهمة البيت، ولا تنسَ صديقتنا "ليان"، والعزيز أبو التلّ، وطبعًا كل الأصدقاء والصديقات من فنانين وفنانات، ومذيعين ومذيعات وكل من يسأل عنا من صبيان وبنات، وأنا على ثقة بأنّنا على موعد قريب مع النّصر والحريّة، وحتّى تحين تلك الساعة ونجتمع تحت سماء الحريّة سنبقى معًا على الدرب الذي يوصلنا إلى نهاية المشوار...
ولك مني كلّ المحبّة والوفاء
أخوك ورفيقك وصديقك
حسام زهري شاهين
[email protected]
أضف تعليق