في مثل هذه الأيام من شهر آب وبالتحديد في التاسع منه عام من العام 2008، توقف قلب شاعر الثورة الفلسطينية الراحل محمود درويش عن النبض في أحد مستشفيات تكساس الأمريكية، رغم كل المحاولات التي بذلها أطباء المستشفى لابقائه على قيد الحياة.
لم يكن محمود درويش شاعرا فلسطينيا فقط، بل كان شاعر الثورة الفلسطينية الأول، دافع عنها وكتب عنها وتحدث عنها، طيلة حياته وحتى الرمق الأخير. أحبه شعبه لأنه أحب فلسطين ووهب حياته لها، كل من عرفه كان يرى فلسطين فيه، كل من عرفه كان يرى القدس في عينيه، وكل من رافقه في دربه كان يلمس أن فلسطين في محمود، ومحمود يجسدها أينما كان. رحمك الله يا شاعر الثورة.
أتذكرك كثيرا أيها الراحل... أتذكرك حينما كنت آتي إليك ونحن في بيروت شاكيا من تصرفات بعض (الزعران) مستغلي الثورة، وكنت تنصحني دائما بعدم الاكتراث بهم، لأن فلسطين أهم منهم بكثير، أتذكر أيضا عندما التقينا في تونس صدفة في مكتب الراحل عبد الله حوراني رئيس الدائرة الثقافية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقتها سألتني مازحاً: (شو أخبار الزعران...بعدهم بضايقوك). أتذكرك أيها الراحل عندما التقينا في العاصمة الألمانية برلين في أمسية لك، وقلت لي :" خلينا نشوفك بتونس".
كم كنت مخلصا أيها الراحل لقضيتك وشعبها، كم دافعت عنها في المنابر الدولية، كم كانت القضية متوغلة فيك وأنت متوغل فيها، كم كنت رائعا أيها الراحل عندما قلت لي ذات مرة في بيروت:" فلسطين أولاً يا أحمد" وكم كنت كبيرا أيها الشاعر العظيم، عندما أوصاك الراحل غسان كنفاني بي، فأجبته حرفيا:" احمد أخونا وحبيبنا".
عندما كنت ألتقيك أنت وعمالقة آخرين أمناء على فلسطين وقضيتها مثل شفيق الحوت، غسان كنفاني وكمال عدوان وغيركم، كنت أعتبر نفسي أخيكم الصغير، وكنت استلهم الوطنية منكم وأتعلم منكم أبجدية الاخلاص للوطن، فلقد كنت أيها الراحل كبيرا في حبك لفلسطين، وحروفك الثورية أوصلت القضية الفلسطينية إلى مكانة عجز شعراء العرب عامة عن الوصول إليها. رحمك الله يا شاعر الثورة.
أذكر، عندما كنت في جلسة هادئة مع الكاتب والاعلامي اللبناني الكبير، روبير غانم، في مكتبه بصحيفة الأنوار اللبنانية، قال لي: " أحبك يا أحمد كصحفي ملتزم، لكني أحببتك أكثر وأكثر لأنك من بلد محمود درويش".
كم كنت سعيدا، عندما كنت ذات يوم مدعوا إلى غداء عند الشاعر العراقي الكبير الراحل عبد الوهاب البياتي في عمان، عندما وصفك لي قائلاً: " محمود هو الشاعر الذي لم ولن تنجب فلسطيني شاعراً مثله". الراحل البياتي كان أحد أهم الشعراء في العالم العربي الذين كانوا يرون فلسطين في شعرك، والذين كانوا يرون فيك الشاعر العربي الوحيد الذي وصل اسمه إلى قمة لم يصلها أحد، إن كان ذلك على صعيد الشعر المقاوم أو على صعيد قوة الكلمة.
نم قرير العين أيها الراحل، لأنك تركت فلسطين أمانة في أعناق مخلصين في هذه الأمة، التي أنجبت شعراءً مخلصين لقضيتهم مثلك، فما دام في هذا الوطن مخلصون يحمون القضية من براثن المتواطئين، فلا خوف على فلسطين، وأنت أيها الراحل كنت تعمل فقط من أجل فلسطين الثورة، وليس من أجل الثروة. رحمك الله يا شاعر الثورة.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
ليس ما تحكم في مستشفيات بلده ليش راح لعند الاميركان ولا كان عم يبيع وطنيات وحكي فاضي