أخيرا، وبعد ما يقارب الشهر من العدوان على قطاع غزة، والمواجهة العسكرية المتميزة على الجانب العسكري فلسطينيا، وكارثة انسانية لا مثيل لها لحقت بقطاع غزة، تمكنت مصر العربية، أن تقود المسار السياسي الى اللحظة التي وصلت الى وقف اطلاق نار أولي، بمسمى «تهدئة انسانية» تفرض السير نحو وضع اسس لإنهاء الحصار عن قطاع غزة، واعادة ملامح الحياة الطبيعية – الانسانية لأهل القطاع، والتي يجب أن تكون موازية لحجم الثمن المدفوع على مختلف الصعد..
وبلا شك، فدولة الكيان لن تستطيع التبجح تحت أي ظرف كان، الادعاء أنها سجلت «نصرا» او «ربحا» من حربها التدميرية، بل أنها ستواجه مرحلة جديدة من المساءلة القانونية والسياسية تقودها حتما الى محكمة دولية باعتبارها ارتكبت عددا هائلا من مجازر الحرب في قطاع غزة، ضد عشرات العائلات الفلسطينية، بلا سبب سوى أنها وقعت شبه للأمن الاسرائيلي، او حقدا على الفلسطيني كفلسطيني..، ولو أحسنت القيادة الفلسطينية إدارة ملف ما بعد الحرب، لن تتمكن دولة الكيان من الهروب من دفع الثمن المطلوب مقابل الثمن المدفوع فلسطينيا..
وقد أكدت الحرب العدوانية، لمن كان يعتقد أنه يمكنه اللعب بعيدا عن الكل الفلسطيني، ان ذلك ليس سوى وهم وخرافة سياسية، حاولت بعض الأطراف، ولن تتوقف عنها، اشاعتها وتغذيتها ليس حبا في من انتفخت دماغه بغطرسة غريبة على المشهد الفلسطيني، وأكد الاتفاق أخيرا، أن «وحدة الموقف» الفلسطيني هي الأداة التي كانت عاملا مركزيا في بداية نهاية الحرب العدوانية، وبداية لفتح ملف رفع الحصار وفتح المعابر، وعودة ما يمكن اعادته من وضع يماثل ما كان قبل «خطف غزة عسكريا – سياسيا» عام 2007، ولعل مشهد «الوفد الفلسطيني الموحد» كان الظاهرة السياسية الأبرز في ظل الأداء السياسي العام ، الذي كان لا اباليا في بداية الحرب، من قبل القيادة الرسمية الى أن أدركت بعد غيبة أنها حرب وليس مناورة تلفزيونية، في حين أصيبت بعض قيادة حماس بحالة غرور لا معهودة، معتقدة أن بداية «حلمها» قد آن أوان اقتطافه..
وبلا شك، فالمشهد العسكري كان الجانب الأكثر اضاءة فلسطينيا، وكان عاليا الى درجة ابتعدت بتألقها كثيرا عن المشهد السياسي الفلسطيني، ولو كان السياسي قادرا على أن يكون قريبا بدرجة ما من ذلك الفعل المقاوم، لشهدت الحرب العدوانية نتائج تفوق كثيرا ما قد تكون، بل كان لها أن تعيد صياغة المعادلة الفلسطينية - الاسرائيلية، وفق أسس جديدة، تقود الى فرض اعلان دولة فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة دون تردد أو ارتعاش سياسي من البعض الفلسطيني..
كان الانجاز العسكري الفلسطيني هو النقطة الأكثر تألقا خلال الحرب العدوانية، وللأسف يمكن اعتبار أن القيادة السياسية بأطرافها كافة لم تكن بمستوى ذلك الانجاز، بل كانت بعيدة عن حركته وتعبيراته، فأجهضت بسلوكها البائس كثيرا مما كان لا يجب أن يذهب في مسار حاول البعض أن يذهب به بعيدا عن حقيقة المعركة والمواجهة، ومن هنا يجب أن يبدأ البعض تعلم الدروس قبل أن يذهب بعيدا في في الاختباء وراء الانجاز العسكري..كما هو الحال دوما..
ولا نستغرب مطالبة لاحقة لمحاسبة الساسة المسؤولين عن ادارة هذه المعركة، واستخلاص العبر خدمة لشعب الفلسطيني، ولا يجب السماح بأن يختفي ذلك الحساب تحت يافطات مختلفة، تكرر عبارات باتت محفوظة عن ظهر قلب، من النصر المبين، والهزيمة المنكرة للعدو، دون أن تقف دقيقة أمام انتكاسة ادارتها السياسية..أو أن تهمل حقيقة الثمن المدفوع شعبيا، رغم أن الكل يعلم لا ثمن لحرية الوطن، الا أن الآثار الانسانية التي كان يمكن استدراكها هو ما يجب ان يكون حاضرا عند اجراء الحساب السياسي لمن كان مسؤولا عن ادارة المعركة السياسية، التي افترقت في محطات عدة عن المعركة العسكرية..
وقد أكدت النهاية الأولية للحرب العدوانية أن مصر هي الحاضنة دون غيرها، والتي لعبت الدور المركزي في فرض هذه النهاية، ورغم محاولات مشبوهة عدة، حاول محور اميركا، قطر، تركيا وبعض حماس النيل منها والتحريض عليها، الا أنها أثبتت كم هي كبيرة سياسيا، وحتى محاولات خالد مشعل في اللحظات الأخيرة أن يسرق الدور المصري ليرميه في حضن واشنطن بأمر قطري، خلال تصريح له لمحطة اميركية، بأنهم ابلغوا كيري موقف حماس استعدادهم لوقف اطلاق النار، من خلال قطر، سلوك لا يمكن وصفه سوى بـ»الصبيانية السياسية»، خاصة أن له 3 أعضاء في «الوفد الفلسطيني الموحد»، لكنه أراد ارضاء أطراف محوره على حساب فلسطين ومصر..ليؤكد أن بوصلته ليس القدس أو فلسطين، لكنها لمكان آخر..فكانت الصفعة الأكبر له ومن قاده للمنزلق أن نجحت مصر بالتعاون مع الوفد الموحد تعاونا سيكون له انعكاس ايجابي لاحق، إن لم يتم تخريبه لاحقا لغاية في نفس من لا يحب وطنا، للوصول الى ما تم الوصول اليه..
قد يحلو للبعض ان يراقب نتائج الحرب على الداخل الاسرائيلي، لكن الأهم لنا أن نعيد حساب الذات السياسي، ما لنا وعلينا، اين الصواب وأين الخطأ، كي لا تمر هذه المعركة تحت يافطات «النصر الرباني المبين» وتغلق صفحة حساب من يجب ان يحاسب مهما كانت المسميات..تلك هي بداية الاستفادة الحقيقية من الانجاز العسكري، ودونها سيكون للكارثة اسم آخر..
*ملاحظة: هل حقا ستبقى صورة «الوفد الفلسطيني الموحد» لتذهب نحو اعادة التشكيل الوطني وفقا لما سبق الاتفاق عليه..ليتها صورة تدوم كونها مفتاح الحل لما يريد شعب خارج التصنيف اللغوي أو الوصفي!
*تنويه خاص: مسكين اردوغان التركي، بعد الاعلان عن اتفاق على تهدئة لمدة 3 أيام تذكر أن يدعو مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لبحث العدوان على غزة..يطعمك الحج والناس راجعة..لا نستغرب لو كنت من تلك «الفئة» التي قال عنها الخالد ابو عمار!.
[email protected]
أضف تعليق