لا شك ان الصورة القاتمة تطغى على اي نظرة مستقبلية لحياتنا في هذه الدولة نحن الاقلية العربية الفلسطينية التي يمزقنا دمار غزة ومشاهد الموت والالم في شوارعها ومخيماتها وكم الحقد الذي يتساقط من السماء على هيئة طائرات اسرائيلية وقنابل وصواريخ موجهة، ومنها عشوائية، لا تفرق، بل لا تريد ان تفرق، بين مقاتل وطفل ومسن وامرأة.
بيد ان الاصوات غير المسؤولة للبعض منا في الداخل، والسكوت الجبان لبعض قيادات الصف الاول عندنا، خشية فقدان الشعبية "المتخيلة"، قد يؤدي بنا الى هاوية قد نختلف على مدى "عمقها" او بالاقل قد تؤدي الى تراجع مكتسباتنا امام المؤسسة والتي انجزناها طيلة ستة وستين عاما منذ النكبة، بالنضال الجماهيري والسياسي وبالحوار مع الاخر وبالانخراط في المشهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لهذه الدولة، بعقلانية وروية ودون فقدان الهوية الوطنية ولا الانتماء لهذا الشعب العظيم.
من الفكر الطفولي غير المسؤول بمكان، ان نعتقد اننا امام حسم تاريخي فوري الان، لجهة "انتصار" المقاومة وتغيير "قواعد اللعبة" الاممية مع اسرائيل، او تغيير قواعد اللعبة الفلسطينية مع اسرائيل، او تغيير قواعد اللعبة في الداخل مع اسرائيل.
فقد كنا شهودا على هذه المراحل "المفصلية" المموهة كثيرا في حياتنا وحياة ابائنا واجدادنا، في الـ 48، والـ 67 ، والـ 73، وحرب لبنان الاولى، وحرب العراق الاولى والثانية، وحرب لبنان الثانية، والحرب الاولى والثانية على غزة والان الثالثة.
ليس هذا فحسب، فنحن نشهد مدى كون "المحيط" الحاضن لشعورنا الانتمائي العربي الاسلامي متقلبا كرمال الصحراء، غير ذي تأثير على المواجهة الحالية، اي الحرب على غزة، ولا على الحروب الاهلية الطاحنة من حولنا في سوريا والعراق وليبيا واليمن، والتي يندى الجبين لكم الضحايا وللبشاعات غير الانسانية التي ترتكب بحق المدنيين من خلالها هناك.
بل اننا نرى كيف تتغير بوصلة المصالح بين ليلة وضحاها، كما في مصر، بحسب مصلحة النظام من محور الى اخر ومن تحالف للذي يليه، بل وحتى ان ذلك يؤثر على المزاج الشعبي الذي طالما عولنا عليه انه حاسم واذ به ايضا، وبحق، يرى مصلحته اولا..
هذه هي لعبة الامم منذ فجر التاريخ، وهذه لعبة السياسة "فن الممكن"، في الماضي والحاضر والمستقبل، لا خطة كامنة في سراب اليوتوبيا والمثاليات والشعارات البراقة الزائفة غير التي تنفِّع من يريد التجييش والحشد للمعارك متلاعبا بمشاعر البشر لمصلحته لا لمصلحتهم..او اسوأ من ذلك الذي يهرب من قمرة القيادة متبعا مزاجا شعبيا افتراضيا، يخشى ان يخالفه!
صحيح ان النضال لاجل الحقوق مكفول في المواثيق والمعاهدات الدولية، ويحق لنا كمواطنين وكفلسطينيين ان نخوضه ضد الظلم والتمييز وكذلك لمساندة ابناء شعبنا في غزة والضفة، وبالتالي يحق لتيار سياسي او اجتماعي او ثقافي او ديني، بل ان واجبه ان يروج لفكره ويحشد، لتنفيذه، المواطنين، و"يجيشهم" للمواجهة او ا لحوار الندِّي مع السلطة.
لكن اعود لاذكر بقاعدتين هامتين:
القاعدة الاولى هي ثمن المواجهة: من سيدفعه كيف سنجنده..
القاعدة الثانية هي ثمرة المواجهة: نتائجها، سلبية ام ايجابية وبكم من الوقت ستُحَصِّل الايجابية او سيمحى اثر تلك ان كانت سلبية..
كل فعل قيادي لا يأخذ بالحسبان هاتين القاعدتين، ويشرحهما باسهاب لمريديه، انما يكون بهذا يركز اكثر على الربح الذاتي، ويكون متاجرا بالدماء والدموع!
[email protected]
أضف تعليق