في السبعينات من القرن الماضي ادعى آبا أيبين راس الدبلوماسية الإسرائيلية "ان الفلسطينيين لم يضيعوا اي فرصة لتضييع الفرص"، في اشارة الى العروض الاسرائيلية للفلسطينيين بامكانية حل النزاع عن طريق انشاء دولتين تعيشان جنبا الى جنب بسلام دائم وشامل.
ولكن "ايبين" لم يكن يتوقع ان الجيل الثالث لحكام اسرائيل بقيادة نتانياهو سيطبقون مقولته بحذافيرها وبحلتها الإسرائيلية تمام الانطباق!
فلو فكر نتانياهو قليلا قبل تفجير المفاوضات مع أبي مازن في نيسان 2014 الماضي، ولو انه تريث أكثر بعد إعلان حكومة المصالحة الفلسطينية، لكان جنب شعبه، والشعب الفلسطيني، ويلات الحرب العبثية القاتلة الحالية، ولكان حصل على "تهدئة" مجانية في ظل التداعيات الإقليمية التي أثرت على خيارات حركة "حماس" وجعلتها تقبل عمليا "بالتنازل" ولو مؤقتا عن اجندتها العلنية باقامة دولة فلسطينية على كامل التراب، وكذلك عن حقائب سيادية مؤثرة على سير الأمور اليومية في قطاع غزة، مما كان سيضعفها شعبيا أكثر فأكثر لمصلحة منافستها "فتح".
ولكن ما حصل هو بالضبط انطباق كامل وشامل لمقولة "أيبين" المذكورة على نتانياهو وحكومته المتخبطة، التي يتسابق شخوصها على من يتفنن بـ "كسر مزراب العين" بطريقة استعراضية اكثر!
ولكن الا تنطبق نفس المقولة على حركة "حماس" ايضا؟
لقد دأبت حركة حماس منذ الاعلان عن اتفاق "اوسلو" وحل الدولتين عام 1993 على التأكيد "تصريحيا" تارة و"عمليا" طورا، عن رفضها لهذا المبدأ وعن تمسكها بنظرية كامل التراب الفلسطيني على الاقل حتى نهاية الانتفاضة الثانية.
فحرصت على تقويض شرعية الرئيس الراحل عرفات ومهاجمته اعلاميا وشعبيا منذ وطأ تراب غزة عام 1993 ، ووصفه كمن "باع القضية" و"فرط" بمصالح الشعب الفلسطيني، واتى "بمأجورين" من الخارج لتسهيل "التنازل" عن الحقوق الفلسطينية.
ليس هذا فحسب بل انها اتخذت الخطوات العملية لوأد المشروع التفاوضي باطلاقها سلسلة عمليات انتحارية بدأت عام 1993 ووصلت ذروتها عام 1996 بعيد خسارة شمعون بيرس للانتخابات الرئاسية الاسرائيلية بمواجهة مرشح اليمين بنيامين نتانياهو.
لقد حققت "حماس" بعض "مبتغاها" بذلك، اذ ان "الاضرار الجانبية" السياسية للعمليات الانتحارية ادت الى خسارة اليسار الاسرائيلي وصعود صقور اليمين الى الحكم، وان كان ذلك للحقيقة والتاريخ "بمساعدة" اليمين المتطرف الاسرائيلي الذي قامت "اعشابه الضارة" باغتيال رئيس الوزراء ائنذاك يتسحاق رابين، واعطاء الفرص لقيادة اليمين "المعتدل" بالتنصل من الاتفاقيات الموقعة.
والحالة هذه، وبمرور الوقت والانتفاضات والدماء والصواريخ والمواجهات والحروب نصل الى ما يتم الحديث عنه الان، الى "الهدنة" التي قد يطول مداها وقد يقصر، والى بنودها بحسب مطالب حماس التي نشرت في الاعلام :
1. فتح جميع المعابر بين اسرائيل وغزة
2. فتح معبر رفح مع مصر برقابة دولية
3. انشاء معبر بحري الى القطاع برقابة دولية
4. اطلاق سراح الاسرى من صفقة شاليط والذين تم اعتقالهم مؤخرا
ويبقى السؤال، وبدون مزايدات وشعارات زائفة، الم تكن هذه البنود، بندا بندا، وغيرها الكثير بديهية ومكفولة بل ومطبقة، منذ اللحظة الاولى التي انطلقت منها عملية "اوسلو"؟ هذا فضلا عن امكانية تقدم العملية حينها، وتحقيق المزيد وصولا الى حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، بالرغم من كل المعيقات الاسرائيلية..
قد يقول قائل ان هدف حماس اصلا كان التوصل الى "تهدئات" مؤقتة، وعدم قبول حل الدولتين..بيد ان الامر يناقض ما صرحته كثيرا قياداتها السياسية، ومنها في مقابلة لرئيس المكتب السياسي السيد خالد مشعل مع قناة CNN عام 2012 (مشعل لقناة CNN: حماس تقبل بدولة على حدود عام 1967)
اذا هل تعود حماس في كل مرة للمطالبة بعروض كانت رفضتها في الماضي و"تشتريها" الان بثمن باهظ بعدما قدمت لها مجانا؟
[email protected]
أضف تعليق