ترتكب يوميا آلاف الجرائم بحق الانسان والانسانية، لدرجة جرائم الحرب الكبرى، كتلك التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الشجاع والبطل في قطاع غزة. لكن لأن ترتكب جريمة من نوع آخر كتلك التي تحدث في الموصل، هذا امر لم يحدث من قبل، ولا بالشكل الذي يحدث الآن. نعني بهذا الكلام، إصدار "داعش" امرها إلى مسيحيي الموصل في العراق إما اعتناق الاسلام، او دفع الجزية أو ترك الموصل أو الموت قتلا بالطريقة التي تراها داعش مناسبة.
إن هذه الخطوة التي اعلنت عنها داعش والتي ادت إلى تفريغ كامل للموصل من مسيحييها تأتي في سياق الحملات الارهابية التي تقوم بها هذه الحركة الهدامة والمجرمة بحق الانسان المسيحي والمسلم (غير المتفق مع فكرها التكفيري)على حد سواء.
فالحركة التي نقشت على رايتها الشهادتان، لا تشهد إلا للموت في سبيل معتقدات تكفيرية مجرمة لم تشهد مثلها المنطقة من قبل. فلا يكفي المصائب التي تحل يوميا على منطقة الشرق الاوسط، وتوالي الويلات، حتى ظهرت هذه الحركة الهدامة الساعية ليس فقط إلى قلب انظمة حكم وتدمير العمران، وقتل الانسان، إنما إلى إعلان الخلافة على طريقتها الخاصة، وهي ترفض بقاء اي شخص مختلف في دينه ومعتقده وتوجهاته الحياتية في ظل دولة الخلافة الاسلامية.
هذه الحركة الهدامة بعيدة كل البعد عن الاسلام الحق والسمح، الذي عبر اربعة عشر قرنا ونيف تعايشت معه الاديان الأخرى كالمسيحية واليهودية بطوائفها المختلفة. عرفت المسيحية كيفية العيش في ظل حكم دول اسلامية متعددة عبر العصور، ولم يحدث ولو لمرة ان طًلب من مسيحيي بلد الخروج منه او تركه او تهديده بالقتل. ما الفرق بين ما تقوم به داعش في الموصل واسرائيل في غزة خلال عدوانها الآثم على الشعب الفلسطيني الجريح والمتألم؟
باعتقادنا ان التشابه كبير بين داعش ومنهجية اسرائيل في الاقتلاع والترحيل والابادة البشرية والحضارية لشعب او مجموعة شعوب تعيش في منطقة الشرق الاوسط من آلاف السنين.
مسيحيو الموصل، لمن لا يعرف، هم من أهل العراق – بلاد ما بين النهرين – الاصليين، اي ان تاريخ وجودهم في العراق يعود إلى آلاف السنين. فهم البابليين والكلدانيين والاشوريين والسومريين وغيرهم من الشعوب والاجناس التي سكنت تلك البلاد وساهمت في إعمارها وتنميتها ثقافيا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا وعلميا. مسيحيو العراق هم مكون اساس من الشعب العراقي عموما، يقومون بواجباتهم المدنية والوطنية تجاه وطنهم أُسوة بباقي العراقيين. ولعبوا دورا بارزا عبر الأزمان في بناء العراق وتعزيز مكانته في الشرق الاوسط وفي العالم. وليس المكان هنا لذكر اسماء شخصيات وأعلام سياسيين ومثقفين واجتماعيين واقتصاديين، إنما بودنا الإشارة إلى ضعف النظام السياسي في العراق في الحيلولة دون تفكيك المجتمع العراقي من خلال ترحيل المسيحيين في الموصل إلى خارج وطنهم أو قبولهم الاسلام. وبودنا الاشارة أيضا إلى عجز آخر للنظام العربي والاسلامي المعتدل في مواجهة هذا المد التكفيري الذي اصبح منتشرا في سوريا والعراق، وواقفا على ابواب دول أخرى بانتظار لحظة الانقضاض عليها. فويل لأمة لا توفر الأمن والأمان لمواطنيها، وخاصة تلك غير المسلمة. كما قلنا، عاش المسيحيون واليهود(إلى عام 1948) بين مواطنيهم المسلمين في البلاد العربية والاسلامية باحترام فائق، وصون لكرامتهم لدرجة لم تشهد مثلها اي دولة ديموقراطية.
والتاريخ يوفر لنا الشهادات والوثائق الكثيرة لحالة العيش المشترك المؤسس على الاحترام والتعاون والسعي معا من اجل بناء مجتمع راق ومزدهر.
إن ترحيل مسيحيي الموصل، ومن قبل مسيحيي نينوى لهو جريمة كبرى بحق شرائح عريقة من الشعب العراقي. ترحيل المسيحيين من الموصل سيجر ورائه موجة اخرى من موجات هجرة المسيحيين العراقيين من وطنهم الجريح. إن نزيف الهجرة مفتوح بقوة، وتسيل منه دماء كثيرة، هي هجرة أبناء الوطن الاصليين، اصحاب البلاد، من ساهم في بنائها. وتأتي موجات الهجرة هذه جراء حركة تكفيرية مجرمة وسفاحة ستأتي على الأخضر واليابس. ولن توفر حركة داعش والحركات الاخرى مثيلاتها من ضرب اعناق مخالفيها في العقيدة والرأي، حتى من بين المسلمين.
كان عدد المسيحيين من سكان العراق حتى الاجتياح الامريكي والغربي قرابة مليون نسمة، من اصل عشرين مليونا. أما اليوم(2014) لم يبق منهم سوى ثلاثمائة الف فقط. وهؤلاء بجلهم مرشحون لهجرة اوطانهم التي ولدوا فيها واحبوها، لا لسبب إلا لأنهم مسيحيين. لا لسبب إلا لأنهم متمسكون بإيمانهم، ويريدون العيش مع اخوانهم المسلمين سوية ومعا ومن اجل المستقبل. ولا لسبب إلا لأنهم لم يجدوا في وطنهم من يحميهم ويجعل حياتهم مستقرة وهادئة.
ما هو مطلوب من الشعوب العربية قبل الحكومات اجتثاث هذه الحركة الهدامة والمجرمة بكل قوة، ومحوها بل سحقها بالتمام من وجه الأرض، لأن ويلاتها ستأتي على غير المسيحيين كما أتت على المسيحيين في العراق وفي جزء من سوريا العربية الصامدة. فهل يتعظ حكام البلاد العربية مما يحدث في الموصل خاصة والعراق هامة؟
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
للاسف الشديد يا اخي هذا هو الاسلام الذي وضعته امريكا للمنطقة من كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون ( لقد صنعنا لهم اسلامهم ) رحم الله صدام حسين كانوا عايشين بامان