الإعلام العربي الترفيهي الحديث، جرف معه أمّة عربيّة غبيَّة، ما زالت عقليّتها تبتلع مُسكِّنًا أمريكيًّا، أنا أسمّيه "الرضيع العربي"، ترضع حليب الديموقراطيّة الفاسد من ثدي المُرضِعَة الغربيّة. شطبت هذه الأمّة من قائمة الحياة الآمنة سكّان غزّة، المحرومين من كماليّات الحماية، كالملاذ الآمن أو الهروب إلى منطقة أخرى ليحتموا بها، في ظل هذه الحرب العشواء. للأسف... نُشاهد أمّة تتغاضى عن رؤية المآسي الفلسطينيّة المتجدّدة، تعتقد أنها تشاهد تلفزيون الواقع الفلسطيني بموسمه الثّالث "الجّرف الصّامد"، الأول كان "الرّصاص المصبوب"، موسم 2008/2009، الثّاني "عَمود السَّحاب" موسم 2012، كلها كانت ضمن خطّة البرامج التلفزيونيّة... عفوًا خطّة البرامج العسكريّة للجيش الإسرائيلي.
هذا هو الإعلام الترفيهي الفلسطيني الجديد! الذي يشاهده العالَم العربي يوميًّا بصمت خسيس، عبر شاشات الفضائيات الإخبارية وذلك لأن غزّة بالنسبة للعالم العربي، عبارة عن حلبة صراع أزلية بين الفيل والنّملة... وكل ما يحصل داخلها هو شأن فلسطيني داخلي، لا يعني وسائل الإعلام العربيّة ولا حتّى دول الربيع الخرافي وما تقوم به إسرائيل من جرائم حرب، يوضَع تحت غطاء "حق الدّفاع عن النّفس"!!
هذا تعبير دعائي سخيف، لقّنه باراك أوباما المرشد السلمي الأعلى للدُّول الخليجيّة المسيطرة على الفضائيّات العربيّة، ومن جهته أوباما ما زال متمسّكًا بسياسة النّأي بالنفس عمّا يحصل في الشّرق الأوسط عامّةً وفي فلسطين خاصّة، بينما وسائل إعلامه، بدأ يستفزّها صور الدَّمار الآتية من غزّة وتشكّك بأهداف وبمصداقية هذه الحرب... من جهة أخرى نجد ولاء سياسات معظم الفضائيّات العربيّة للسعوديّة، فإنّها عاجزة حتّى عن التّضامن المعنوي وليس المادي مع غزّة، ترفض شجب أو الاحتجاج على هذه الحرب.
شبكة قنوات إم بي سي، الجالسة على عرش أعلى نسبة مشاهدة في شهر رمضان، وحتّى غالبية القنوات العربيّة واللبنانيّة المشهورة... تخلّوا عن المتابعة الحية لبرنامج لتلفزيون الواقع الفلسطيني من غزّة، جرفهم سيل الترفيه الرمضاني كما جرف وعي مشاهديهم الذين يعتبرون عملية "الجّرف الصّامد" مجرّد لعبة "عسكَر وحراميّة"، تحتوي على قصف يومي بطائرات ورقيّة وليس بطائرات حربية!!...
القنابل التي تلقيها إسرائيل على السكّان، بالنسبة للعرب، مجرّد ألعاب ناريّة لا أكثر ولا أقل، أضاءت سماء غزّة "بمفرقعات النَّصر الإسرائيلي"... الدّمار الرهيب يعتبرونه، فوضى ميدانيّة، أشلاء جثث الأطفال، يعتبرها التخاذل العربي، دُمى بلاستيكيّة، مبعثرة في الشّوارع، الجثث المفَحَّمة ليس لها اعتبار عند طُغيان الصّمت العربي، يعتقد أنّها أجسامًا غريبة هبطت من الفضاء الخارجي وليست ضحايا العدوان الإسرائيلي.
هكذا للأسف يتصوّر العرب كل ما يحصل الآن في غزّة، فهو بنظرهم برنامج تلفزيون الواقع الفلسطيني، الشّارع العربي أصبح نظيفًا من غبار المظاهرات... من أثر التنكيل بالمتظاهرين، تمامًا بعكس الغرب الذي بدأ يتظاهر ضد هذه الحرب... لا نسمع صرخة احتجاج عربيّة مدوّية، ضد ما يجري في غزّة، لم يعُد هناك حتّى رصيفًا أو ممرًّا ضيِّقًا لرأي حر يسير عليه المحلّلون العرب، آراؤهم مرصوفة باللامبالاة وهذه هي "عمليّة الجرف الصّامد"، التي وضعت حجر الأساس لتلفزيون الواقع الفلسطيني.
[email protected]
أضف تعليق