بعد ساعات من الاجتياح البري المحدود لقوات الاحتلال في المناطق الحدودية لقطاع غزة.. كانت أصوات كثير من المحلّلين والعسكريين الإسرائيليين تحذّر من النتائج الكارثية لهذه الخطوة.. والتي جاءت تلبية لصراخ اليمين الإسرائيلي المتطرف وقادة أحزابه.
كثير من الضباط الإسرائيليين حذروا من نهاية الحرب البرية، ومنها مزيد من عمليات القتل في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وعدم القدرة على تجريد حركة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى من عتادها العسكري وخاصة الصواريخ.
في الجانب الآخر، فإن هذه الحرب ستضع المقاومة الفلسطينية أمام خيار واحد، وهو أن ظهرها للبحر، بمعنى أنه لا مجال لإلقاء السلاح أو الاستسلام... بل ستكون هناك مواجهة أكثر صعوبة مما يتوقع البعض.. وستكون هناك كثير من المفاجآت.
إذن هي حرب اللامنتصر بالمعنى العسكري التقليدي للحرب.. أي لا استسلام فيها ولا احتلال دائماً ولا تحقيق أهداف بشكل مطلق.
هذه الحرب ستخلق مفاهيم جديدة ووقائع مغايرة على أرض الواقع.. وبالتالي فإننا سننتظر أياماً أخرى.. لأن كل طرف سيجتهد في تحسين شروط وقف إطلاق النار أو الهدنة.. ولهذا فإن انتصار حركة حماس والذي ستعلن عنه في خطاب بعد إطلاق الطلقة الأخيرة في هذه الحرب سيأتي ليؤكد أنها حققت الأهداف ومنها رفع الحصار وتحرير الأسرى الذين أعادت سلطات الاحتلال اعتقالهم.. وأن الحركة على المعابر ستعود إلى شبه الوضع الطبيعي.
أما سلطات الاحتلال فستدّعي أنها ألحقت ضربات موجعة بحركة حماس وقلصت ترسانة صواريخها وأسلحتها.. وأن حماس ستفكر مائة مرة قبل أن تتطلق قذائف صاروخية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.
ولكن حقيقة الأمر أن تحسين شروط اتفاقية الهدنة التي وقعت في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين لن يبتعد كثيراً عن جوهر هذه الاتفاقية.. قد تضاف بنود جديدة، وقد تصبح بنود أخرى مطاطية أكثر.. ولكن يبدو أنه لا تغييرات جذرية لصالح الفلسطينيين.
ولكن ربما الخطر المتوقع من هذه الحرب البرية هو حدوث مأساة، كأن يؤدي القصف الإسرائيلي إلى مجزرة بين المدنيين كما حصل في العدوانين الأول والثاني عندما قتل عشرات المواطنين في إحدى مدارس وكالة الغوث.. والتجربة اللبنانية حاضرة في هذا المجال.
ولكن، أيضاً، ربما سيتغير وجه الحرب، إذا ما أصاب أحد صواريخ المقاومة تجمعاً للإسرائيليين في إحدى المدن ووقعت إصابات كثيرة.. فهذا سيعطي قادة الاحتلال المبرّر لما يطلقون عليه الأرض المحروقة.. بمعنى آخر الحسابات السياسية الأكثر تعقيداً والأصعب مما يفكر البعض. والمطلوب الآن جهد سياسي مضاعف بهدف الحفاظ على مفهوم الانتصار كما تعرفه فصائل المقاومة.. وعلى ألا يذهب الدم الفلسطيني هدراً دون مقابل.
ولكن مهما كانت مفاهيم الانتصار متناقضة، فإن أكبر الخاسرين هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولهذا نلاحظ تردّده وتخبّطه حتى في إقالة نائب وزير الدفاع داني دانون المكروه في حزب الليكود والذي كان أعضاؤه ينتظرون التخلص منه، ولكن ليس على طريقة نتنياهو التي ضاعفت قوته لدى اليمين الإسرائيلي.
خسارة نتنياهو ستكون نسخة عما حصل مع إيهود أولمرت في حرب العام 2006 مع حزب الله أو حرب غزة مع تسيفي ليفني.. ولهذا فإن نتنياهو يعرف ما هو المصير الذي ينتظره مع عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على الحسم المطلق.. وأول المنقضين عليه سيكون أفيغدور ليبرمان.
أما حماس، فحتى الآن، فإن إدارتها السياسية للعلاقة مع مصر، المتنفس الوحيد للحركة، كانت فاشلة بامتياز، وربما زادت من التناقض مع نظام السيسي.. وبالتالي خسارتها ستكون مضاعفة في هذا المجال، وهي تعرف أن مصالح الجماهير الفلسطينية هي مع القاهرة في الأساس وليس مع الدوحة أو أنقرة أو طهران.
إذن هي الحرب، والأخطر هي التحركات السياسية، فهل ستكون مكاسبنا السياسية بحجم تضحيات أبناء شعبنا ودمائه النازفة.
[email protected]
أضف تعليق