بعيدا عن اي حسابات صغيرة لهذا الطرف أو ذاك، فما تحقق في الاسبوع الأول من بدء العدوان على قطاع غزة، يمثل "نقلة نوعية" في شكل الرد الفلسطيني على التطاول العدواني، وهو الأول في تاريخ المواجهة المباشرة فوق الأرض الفلسطينية، عندما بدأ استخدام قوة التسليح العسكرية الحديثة من قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية جميعها، التي شاركت كل بقدراتها في الرد الكفاحي، دون قفز عن تميز ملموس وبارز لحركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، وهي لحظات ستبقى حاضرة بأحرف من نور، تضاف لسجل طويل من عمر الكفاح التاريخي للشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني الذي بدأ في القرن قبل الماضي..
وكان يمكن لهذا الاسبوع ان يحتفظ في "الذاكرة الفلسطينية" بأنصع صور المقاومة في مواجهة العدوان، الا أن المسألة اتجهت لمنحنى مختلف مع ارتباك بعض القوى في التعامل مع "المبادرة المصرية"، والتي كان لها بزمنها وتوقيتها أن تعطي للمشهد الفلسطيني "تفوقا اخلاقيا وسياسيا وكفاحيا" على دولة الكيان، وهي النقطة التي غابت عن غالبية المتعاملين مع المبادرة الرامية لوضع حد للعدوان أولا، باعتباره الفعل الذي بدأ لكسر شوكة الفلسطيني، فكان "رد الفعل" المقاوم الذي لم يتم حسابه كما يجب من قبل دوائر دولة الكيان الأمنية..
التعامل مع المبادرة المصرية عكس حالة من الارتباك العام في الساحة الفلسطينية، وكشفت عمق التدخل "الخارجي" في الواقع الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة كل بحساب وقدر، والمبادرة لم تكن كاملة متكاملة، وبالتأكيد لا تحمل كل ما يمكن أن يرغب به الفلسطيني، لكنها كانت فرصة سياسية هامة جدا لالتقاط اللحظة المناسبة لأن يتم وضع حد للعدوان في ظل "انتصار سياسي معنوي كبير" للطرف الفلسطيني، وتفوق اخلاقي كان له أن يكون سلاحا لاحقا في تعزيز قوة الموقف الفلسطيني في لقاءات "التهدئة" التي دعت لها مصر لتحقيق بعض ما كان غائبا أو ليس موجودا في المبادرة المصرية..
ردة فعل الفصائل المتباين كان به "حق" يمكن أن يتم تسجيله وتحويله لمكسب هام، من خلال الحضور الفاعل المستند الى قوة وفعل سياسي – عسكري، به تفوق معنوي كبير على الطرف الاحتلالي، وربما عاب المبادرة شكل العرض وطريقته، لكنه في المقابل كان له أن يضع حدا للعدوان فورا، والحق هنا لم يكن لينتهي لو قبلت الفصائل الفلسطينية المقاومة المبادرة من حيث "المبدأ"، كونها صاحبة الكلمة العليا في الرفض والقبول، وليس سواها، فلا قيمة لأن يقبل الرئيس محمود عباس أو أن يرفض كونه تنازل عن ذلك بتغييبه الاطار القيادي الموحد، لذا الأصل هنا قوى الفعل المقاوم، ولا غيرهم، وهذا لا صلة له بالتمثيل والممثل، وكان لها أن ترسل ممثليها وتبدأ في عرض ما يجب عرضه من تصويب أو تعديل أو اضافة للغائب عن المبادرة..
خطوة كان لها أن تمنح قوى المقاومة تميزا فاعلا في مواجهة العدوان والمتعدي، وتبرز كقوى حريصة أولا على حماية شعبها من جرائم مضافة لعدو لا يقيم كثيرا وزنا للعالم حتى تاريخه، وتبدو كفصائل مسؤولة في رسم المستقبل ضمن رؤية وطنية خالصة، دون حسابات فصائلية خاصة، ولقطع الطريق على استغلال "الدم الفلسطيني" لحسابات غير "وطنية"..كانت فرص سياسية كبيرة وهامة لو أن الموقف من المبادرة انطلق من "الحق" لا سواه..وهو ما يمكن تلمسه في حسابات بعض القوى دون غيرها..وما يجب أن يتم رؤيته في القادم من علاقات يجب أن تكون..
لكن "الحق" هنا لا يلغي "الحقيقة" ايضا في سلوك البعض، خاصة حركة "حماس"، وهي الحركة التي كان لها التميز في الفعل المقاوم مع الجهاد الاسلامي، بعيدا عن رقمية الأول أو الثاني، لكنها كانت، وبنفس القدر من التمايز في الفعل المقاوم، كانت الأكثر ارتباكا وتشويشا سياسيا، وكشف موقفها من المبادرة المصرية "تشوها سياسيا خطيرا"، عندما قام بعض قيادات حماس في الدوحة والخارج بالتسرع برفض المبادرة، ثم أصدر بعضهم بيانا باسم كتائب القسام، واقحمها في مناورة الرفض والقبول، رغم أن ذلك قرار سياسي بامتياز، ثم صدرت مواقف تشير الى أنه لم يصدر موقفا رسميا بعد، والتشاور متواصل مع مصر وداخل الحركة، لكن النائب الحمساوي مشير المصري ازال الغطاء عن الموقف الغامض – الملتبس، ان المطلوب "وساطات عربية ودولية متعددة" غير الجانب المصري، ولا نعتقد أن هذا الكلام يحتاج لفك لغزه، فهو غاية في الصراحة..بعض حماس يعلنها بلا دور قطري تركي ايراني وموافقتهم أولا لن تقبل حماس المبادرة المصرية..
كلام في منتهى الصراحة والوضوح، ثم جاء عزمي بشارة المقيم في قطر ويعمل مسشتارا للحكم وجهازه الأمني، ليزيد المسألة وضوحا، أن محور قطر لن يقبل المبادرة المصرية، والغريب ان كل مواقف حماس الرافضة لم تستند الى عناصر محددة لرفضها، لكنها ترتكز على محور رئيسي واحد، لا مبادرة دون موافقة قطر تركيا ايران، ولا نحتاج لتفسير ذلك..
وتوافق رفض بعض حماس مع زيارة امير قطر لتركيا وسبقه خالد مشعل، رغم نفي حماس الساذج لزيارته لأنقره وتنسيقه مع حكمها ضد مصر ومبادرتها، وفتح خط مواز مع واشنطن وتل أبيب، لم تأت أكلها، ليس رفضا لدور تركي قطري، لكنه ادراك لحقيقة أن لا مستقبل لذلك، فالجغرافيا السياسية وطبيعة الوضع الاقليمي وانحسار دور الردة السياسية لمحور تركيا قطر، كانت عوامل اضعفت قبول واشنطن تل ابيب لتجاوز مصر الدور والمكانة..
وبلا شك فإن حسابات ايران أيضا، كانت حاضرة سواء برغبتها مواصلة الحرب والمواجهة لحسابات اخرى، منها تطويق دور مصر الناهض في المنطقة واثره على تعزيز مكانتها الاقليمية، كما أن استمرار الحرب والمواجهة يبعد الاهتمام عن ملف العراق وسوريا، حسابات ايرانية ضيقة ومعلومة أيضا، لعبت أثرا في تسجيل رفض بعض حماس..
ما يجب أن تدركه بعض الفصائل المرتبكة أو المتحفظة أن المشهد العام قبل المبادرة لن يكون كما بعده، بل أن متوقع خسارة بعض قوة الفعل والتميز التي كانت خلال الاسبوع الأول للفعل المقاوم، بعيدا عن حجم التضحيات والثمن الفلسطيني المفروض لرد العدوان،..الوقت لا زال ممكنا لقطع الطريق على الحسابات الضيقة أو غير الفلسطينية لتصويب ما يمكن تصويبه..
وفي النهاية هي رؤية سياسية يمكن أن تساعد بعضا ممن لا يرى مختلف "زوايا الرؤيا"!
ملاحظة: الاعتداء على وزير الصحة د.جواد عواد رسالة واضحة جدا لـ"الشرعية الغائبة"..العودة تأخرت وقد لا تكون قريبا..حماس تعلن انها السلطة المطلقة بلا "شريك"..خطيئة سياسية ستكون مكلفة جدا!
تنويه خاص: بعض ملاحظات فصائل المقاومة على المبادرة المصرية تبدو وكأنها تسحب قطاع غزة نحو تدويل القطاع وخارج "الشرعية الفلسطينية"..حذار من الانسياق خلف العاطفة!
[email protected]
أضف تعليق