اعتدنا على سماع الأصوات المطالبة بمقاطعة المنتوجات الإسرائيلية كُلما تشن إسرائيل هجوماً شرساً جديداً ضد الفلسطينيين، وتأت هذه المطالبة كرد فعل وعقاب يهدف لضرب الموارد المالية للدولة وللمنتجين، ولكن وكما تعودنا في السابق سرعان ما تصمت هذه الأصوات مع صمت دوي المدافع فترجع الحياة اليومية كالمعتاد ولينشط التعامل التجاري مع الإسرائيليين مجدداً وبزخم اكبر.
ولا شك ان الكثير من الأسواق والمنتوجات الإسرائيلية تعتمد كلياً على المستهلك العربي في الداخل الإسرائيلي وفي قطاع غزة والضفة الغربية ولو حدث وتم تنفيذ تهديد المقاطعة بشكل فعلي لرأينا مصانع تغلق، وبضائع تكسد، وقوافل جديدة من الاف العمال تقف بالطابور في مكاتب العمل لتقاضي مخصصات البطالة.
لقد علّمنا التاريخ ان المقاطعة الاقتصادية عبارة عن سلاح قديم وفتاك، وطالما استعمله الطرف القوي ضد الضعيف لفرض إرادته وهيمنته عليه، ودفعه للاستسلام دون مقاومة، ولكن التجارب اثبتت ان هذا السلاح ذو حدين وقد يشهره المظلوم تجاه ظالمه في بعض الظروف، حينما يكون في موقع يتيح له ذلك لممارسة نوع من الضغط على الطرف الآخر وقد ينقلب هذا السلاح على مستخدمه اذا لم يحظ بالدعم الشعبي والجماعي اللازم، ولا شك انّه يحمل في طياته تأثيراً فعالاً اذا ما لاقى استجابة جماهيرية واسعة.
فالمقاطعة كانت وما زالت وسيلة سلمية وصوتاً احتجاجياً مشروعاً، وأداة تستعمل في ميدان صراع الإرادات، وساحات المعارك، ولابد من إتقان استخدامها واختيار الظرف والموقع المناسب.
وان حدث واضطررنا لاستعمال هذا السلاح الفتاك فينبغي علينا ترشيد الاستهلاك الذاتي، وتشجيع الانتاج المحلي والالتزام باستهلاك المنتوجات المحلية واختيار البدائل عن المنتجات التي تمت مقاطعتها واستيرادها من الدول المتعاطفة مع القضية التي خرجنا من اجلها او من تلك الدول التي تقف موقف الحياد على الاقل. وان حدث ذلك فيتوجب على المتنفذين والمسيطرين على السوق المحلي وعلى المستوردين عدم استغلال الظرف والتحكم بالأسعار بل يتحتم تجنيدهم وحتى اجبارهم بالقوة على ملائمة أسعار السلع والمنتوجات للقدرة الاستهلاكية والشرائية للجهة ألمُقاطعة.
كنت وما زلت أؤمن بأن استعمال الوسائل السلمية في صراعنا كأقلية عربية ضد السلطة من اجل تحقيق المساواة بالحقوق، هي الوسائل الأكثر نجاعة والتي بوسعها تحقيق الغاية المنشودة بواسطة الوسائل المعقولة ودون أي خسارة تُذكر. واذا اردنا توسيع دائرة المقاطعة فليس عدلاً ان نطالب بمقاطعة إسرائيل فقط وانما يجب توسيعها وبناء قاعدة شعبية جماهيرية تشمل الفلسطينيين في الداخل وقطاع غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا، ولتقف هذه القاعدة صفاً واحداً لتطبيق سلاح المقاطعة فعلياً ليس الأسواق والمنتوجات الإسرائيلية فقط وانما لتشمل مقاطعة فلول سلطة أوسلو، وخاصة إزاء موقف كبيرهم المُذل والمتواطئ هو وبعض اقزامه بخصوص العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وما سبقه من تنكيل بمواطني الضفة اثر اختفاء الإسرائيليين الثلاثة.
ومن هنا كنت أتمنى ان يقف قيادي عربي واحد من فلسطينيي الداخل وخاصة أعضاء الكنيست العرب، وان يُعلن موقفه بوضوح كما فعلت النائب حنين زعبي، بمقاطعة عباس وزمرته والتنديد بتنسيقهم الأمني مع أجهزة الامن الإسرائيلية، ولكن وكما يبدو فان وراء الاكمة ما ورائها والمصالح المشتركة والاسرار الخفية اقوى من الواقع وقد تمنع هؤلاء القيادات من ان تنبس بكلمة واحدة ضد عباس وزمرته لئلا تنكشف اموراً قد تعيبهم. ولماذا تؤيد هذه القيادات طرف فلسطيني على الاخر وخاصة في تعامل سلطة أوسلو بكل ما يتعلق بحركة حماس وهذا الموقف يتناغم ويتناسب مع الموقف الإسرائيلي طبعاً.؟!
الجمهور العربي الفلسطيني في اسرائيل يملك القدرة لمعاقبة هذه الزمرة ومقاطعتها وذلك بواسطة عدم السفر للتسوق وللترفيه وقضاء الاجازات في رام الله وغيرها علماً ان معظم الفنادق والمطاعم والنوادي الليلية وغيرها من أماكن الترفيه تعود ملكيتها لرموز الفساد من زمرة أوسلو ومن لف بفلكهم ايضاً.
هذا الجمهور يملك القوة والقدرة على تلقين المصريين ايضاً درساً ومقاطعتهم بسبب موقف رئيسهم الانقلابي "العرص" المُخزي والمُتواطئ هو ووسائل اعلامه المسعورة مع إسرائيل ومباركتهم قتل أطفال غزة.. بالإمكان مقاطعتها وعدم السفر للاستجمام في منتجعات طابا وشرم الشيخ وغيرها وخاصة ان من يملكها هم رموز الفساد من عهد حكم نظام مبارك وحكم "العرص" الحالي، ولا ضير ان يتم استبدال وجهة السفر الى تركيا على سبيل المثال..
وعن مملكة الأردن وعمالتها التاريخية لصالح إسرائيل ودورها بضياع فلسطين وتنفيذها مجزرة أيلول الأسود فحدث ولا حرج ولا حاجة لتكرار ما ذكرت أعلاه فعرب الداخل هم رافد أساسي يدر الدخل الوقير على خزينة المملكة ان كان عبر بوابة السياحة او التعليم في جامعاتها او السفر عبرها لتأدية مناسك الحج والعمرة، ولا شك ان مقاطعتها إزاء موقفها المتخاذل من قتل اطفال غزة واجب أخلاقي ووطني من الدرجة الأولى.
وهنا لا بد من تذكير الذين ابدعوا بمناصرة غزة عبر الفيسبوك وغيره، وابدعوا بشجب العدوان على غزة، ونددوا بموقف عباس والسيسي والعالم العربي المتخاذل..لا بد من تذكيرهم ان انتهاء الحرب لا يعني انتهاء الموقف وعطلة عيد الفطر تقف على الأبواب والسؤال هل ستبقى معابر الحدود في طابا وجسر الشيخ حسين خالية من المسافرين الفلسطينيين ام ستكون "الفزعة" لغزة ذكرى عابرة طويت صفحتها بعد ان خُرست أصوات المدافع..؟!
ان الغد لناظره لقريب..
[email protected]
أضف تعليق