الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, وبعد:
الأمانة هي مبدئ عظيم من مبادئ الإسلام, ومقصد جلي من مقاصده, فقد بعث الله تعالى رسله للناس كافة لإعدادهم لحمل أمانة العقيدة، والخلافة في الأرض بمنهج الله وشريعته, وارتباطهم بربهم الذي اختارهم لحمل هذه الأمانة الكبرى.
ولذا قالوا أن الإيمان مأخوذ من الأمانة، لأن الله تعالى تولى علم السرائر، وجعل ذلك أمانة على كل مسلم، فمن صدّق بقلبه ما أظهره لسانُه فقد أدى الأمانة واستوجب كريم المآب إذا مات عليه، ومن كان قلبه على خلاف ما أظهر بلسانه فقد حمل وزر الخيانة والله حسبه.
ولأهمية هذه الصفة وعظيم شأنها, جعل الله سبحانه وتعالى رسالته في أناس من البشر من أهل الأمانة, فهي صفة رسولنا الكريم – عليه السلام - , حيث كان يُلقب بالصادق الأمين, وهذا نبي الله موسى يقول لقومه: "...أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ" , وهذا نبي الله هود – عليه السلام - يقول لقومه: " إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ" وهي أقوال غيرهم من الأنبياء, كنبي الله صالح وشعيب ونوح عليهم السلام أجمعين.
وهي وصية الأنبياء إلى أقوامهم, وهو ما تجلى في قصة قيصر عظيم الروم مع أبي سفيان قبل اسلامه, حيث جاء فيه "... وسألتك: بماذا يأمركم، فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة، والصدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة النبي". (صحيح البخاري : 4/ 46).
وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – خيانة الأمانة من آيات النفاق فقال: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف " (صحيح البخاري : 3/ 180).
وقد أنبأنا رسولنا الكريم أنّ ضياع الأمانة هو أمر خطير, وأنه من علامات الساعة التي لا تظهر إلا إذا فسدت الأرض ومن عليها, فقد ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: «أين - أراه - السائل عن الساعة» قال: ها أنا يا رسول الله، قال: «فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (صحيح البخاري: 1/ 2).
وروي في التفسير أن انسانًا وقف على لقمان الحكيم وهو في مجلسه قال: ألست الذي كنت ترعى معي في مكان كذا وكذا؟ قال: بلى، فقال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال : صدق الحديث وأداء الأمانة والصمت عمّا لا يعنيني.
ولأهمية هذا الموضوع فإن عمل المربين في المراكز القرآنية في مؤسسة حراء قائم على بث روح التربية وبث هذا الهدي النبوي العظيم في نفوس طلابها, وذلك من خلال البرامج والمناهج لمختلف الأجيال, صغارًا وكبارًا, ذكورًا وإناثًا.
[email protected]
أضف تعليق