يعترف كثيرٌ من الإسرائيليين أن حروب جيش كيانهم القديمة قد ولت وانتهت إلى الأبد، وأنه لم يعد جيشهم يقاتل على أرض العدو، بعيداً عن مواطنيه ومصالحه، فيلحق خسائر في صفوف خصومه، بينما تكون جبهته الداخلية هادئة مطمئنة، لا تعيش الخطر، ولا تصلها الصواريخ، ولا تلحق بها شظايا المعارك، بل لا تشعر بالحرب، ولا تسمع بها إلا عبر وسائل الإعلام، وتستمر جبهته الداخلية متماسكه، تمده بالقوة، وتشجعه على المزيد من العدوان.

لكن الحسابات الإسرائيلية قد انقلبت في هذه الحرب التي شنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي الحروب التي سبقتها، حيث بدأ المواطن الإسرائيلي يئن ويصرخ، ويرفع صوته شاكياً متذمراً، مطالباً حكومته وقيادة الجيش بالكف عن العبث، والتوقف عن المغامرات، والاعتراف بحقيقة الواقع الجديد.

فالمقاومة اليوم تختلف عن حالها قديماً، فقد اشتد عودها، وقسي قوسها، وعظم سلاحها، وأصبحت قادرة على الأذى والإصابة، ولم تعد تقبل بأن تكون الحرب على أرضها فقط، بل أصبحت قادرة على نقل المعركة إلى أرض الخصم، وإطلاق الأفاعي في حجر العدو، ليعاني ويقاسي، ويخاف ويرتعد، ويطالب قيادته بسرعة التوصل إلى هدنةٍ واتفاق، تعيد الهدوء إلى الجبهات، وتمكنهم من استعادة الأمن الذي أفقدهم إياه جيشهم وحكومتهم.

المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل، يدرك هذه العيوب، وينتقد جيش كيانه ويقول بأنه بات أعمى لا يميز، وكالثور يضرب في الهواء، فليس لديه أهداف يقصفها، ولا يملك أي معلوماتٍ تساعده على تحديد أماكن منصات إطلاق الصواريخ، أو التعرف على مطلقيها واستهدافهم، ولهذا بدأ يستهدف البيوت السكنية، والأهداف المدنية، الأمر الذي تسبب في مضاعفة أعداد الضحايا المدنيين في القطاع.

بينما تتهم مذيعة في القناة الإسرائيلية الثانية حكومة وجيش كيانها بأنهم ضللوا الجمهور الإسرائيلي، عندما أوحوا لمواطنيهم بأن غزة ستكون وحدها، وأن العالم سيكون مشغولاً عنها بالمونديال، ولن يصل صراخ غزة إلى أسماعهم، ولكن الحقيقة أن إسرائيل هي التي تقصف، بينما العالم لا يسمعها لانشغاله بالمونديال.

أما صحيفة هآرتس فهي تقول بأن هناك أضراراً اقتصادية هائلة قد لحقت بالكيان الإسرائيلي، بسبب تواصل إطلاق الصواريخ على كل مدنها انطلاقاً من غزة، وتتساءل عن حجم الأضرار الاقتصادية التي من الممكن أن تلحق بكيانهم في حال استمر إطلاق الصواريخ عليهم، علماً أن تأثير الصواريخ المتساقطة بدأ يظهر بوضوح على البورصة الإسرائيلية.

وتضيف الصحيفة بأن مناطق كثيرة في البلاد بدأت تدخل سوق القصف، بعد أن أصبحت صواريخ المقاومة تصل إلى كل مكانٍ، دون تنبيهٍ مسبق، أو توقعاتٍ معقولة، فكل "إسرائيل" أصبحت في مرمى نيران صواريخ القسام، بينما فشلت القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ التي أطلقت على مناطق جنوب ووسط وشمال البلاد، بينما كان المواطنون يظنون أنها ستمسك كل الصواريخ، وأنها أحداً منها لن يفلت من المنظومة.

وتواصل الصحيفة انتقادها للحكومة الإسرائيلية التي أنفقت مليارات الدولارات على أبحاث القبة الحديدية، وأعمال المراقبة والمتابعة والرصد، وفي النهاية جاء الحصاد ريحاً، وتساقطت الصواريخ كالمطر على كل البلدات، بل إنها خلقت واقعاً مغايراً عما سبق، وأخطر مما كان.

تضيف الصحيفة أن نصف البلاد مهدد، وثلاثة ملايين إسرائيلي لا ينامون في بيوتهم، ولا يمارسون حياتهم الطبيعية، بعد أن فقدوا الثقة في تطمينات حكومتهم، وجهود قادة جيشهم، وهم الذين يغطون نفقاته وأبحاثه من جيوبهم، ومن الضرائب التي تجبى منهم لجلب الأمن لهم.

هذا ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم عن الواقع الجديد الذي خلقته المقاومة، والذي صنعته صواريخها، وما أوردناه ليس إلا نزراً يسيراً مما يقولونه في السر والعلن، وفي الخفاء وأمام العامة، إنهم يألمون ويتوجعون، ويشكون ويتذمرون، "إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]