مجريات الأحداث في فلسطين عمومًا، وفي القدس والداخل الفلسطيني خصوصًا، تتطور بوتيرة سريعة جدًّا، وما من أحدٍ يعلم إلى أين تتجه الأمور؛ قد تتحول الهبة الحالية إلى انتفاضة ثالثة شاملة وطويلة الأمد، أو تهدأ خلال أيام، لا أحد يعرف! هذا مرتبط بعوامل عدة، منها استمرار التصعيد الإسرائيلي والقمع تمسّكًا بنهج الغطرسة، وكذلك انضمام مناطق الضفة الغربية المختلفة إلى الهبة، وأي تصعيد محتمل مع غزة، ونتائج التقرير الرسمي الذي سيصدر عن معهد أبو كبير حول ملابسات استشهاد محمد أبو خضير، شرارة الهبة الحاصلة حاليًّا.

تسييس الغضب واستثماره

هناك غضب عارم، حالة استياء شعبية من سياسات الاستعمار الإسرائيلي تجاه الفلسطيني في كافة أمكان وجوده، وعلى اختلاف صفة العلاقة الرسمية التي تجمعه بالنظام، إن كانت علاقة مواطنة أم غير مواطنة.

يجب تسييس الغضب والاستياء واستثمارهما، وعدم تركهما ليكونا مجرد انفعال وتفريغ في الهواء، ينحصران في التعبير عن الرفض والاستنكار، على ما لهذا من أهميّة، لكن الجماعات والشعوب لا تخرج إلى الشوارع للا شيء سوى هذا، بل لدوافع مرتبطة بمطالب.

الحراكات الشبابية، الحركات السياسية والأحزاب، مؤسسات المجتمع الأهلي، الشخصيات الأكاديمية والثقافية، عليها أن تبدأ، ومنذ الآن، حتى وإن كان لا يمكن لأحد توقع واستشراف كيفية تطور الأمور، أن تبدأ بصياغة مطالب عينية وواضحة وقابلة للتنفيذ الإجرائي، تشتقها من مطالب الشارع وقضاياه الحارقة، وأن تشترط أي تهدئة مع الاستعمار بتحقيق هذه المطالب، فنكون بذلك جاهزين مهما كانت السيناريوهات الممكنة.




من تلك المطالب على مستوى الجماهير الفلسطينية عمومًا:

أ. تحرير الأسرى الفلسطينيين، وخصوصًا القدامى.

ب. الإعلان عن وقف الاستيطان.


ت. التوقف عن سياسة هدم البيوت.

ت. رفع الحصار عن قطاع غزة.


أما على مستوى الداخل الفلسطيني، فيجب أن تصاغ مطالب تطرح من خلال لجنة المتابعة، منها:


أ. الإعلان عن عصابة "دمغة الثمن" وعصابة مارزل جماعات إرهابية وخارجة عن القانون، يجب أن تلاحق.

ب. تحرير أسرى الداخل جميعًا.

ت. منح الاعتراف للقرى غير المعترف بها.

ث. وقف مخططات تجنيد الشباب العرب على كافة أشكالها.

شعارات نتبناها

المطالب يجب أن تصاغ دون انتظارٍ للتطورات، وأن تكون هي أهدافنا المحددة مسبقًا، وأن تشتق منها شعاراتنا، وأن تكون مضمونًا واضحًا ومتكاملًا نملأ به بنية الانتفاض، وأن يتوحد عليها الناس، ثم تطرح على الطاولة في حال حصلت أي مفاوضات مستقبلية حول أي تهدئة، علمًا أن مدى تحقيق هذه المطالب/ الأهداف مرتبط بمدى تصاعد الأمور، وما من شيء أكيد، لكن الأهم أن يكون الفلسطيني، وخصوصًا الجيل الجديد عارفًا أن انتفاضه لغاية، لا لمجرد الانتفاض العاطفي، علمًا أن العاطفة سمو في رأيي، وليست نقيضة العقل كما يحاول كثر إقناعنا.

لدينا في الداخل الفلسطيني على الأقل، وثائق تصور مستقبلي أعدت خلال السنوات الماضية حول رؤيتنا جماعة قومية في دولة إسرائيل لأنفسنا ولمستقبلنا، ولدينا كذلك قضايا جماعية حارقة متفق عليها، وقد خضنا نضالات طويلة الأمد من أجل نيلها، وليس هذا الأمر بعسيرٍ أبدًا في ضوء حقيقة أننا في الماضي كثيرًا ما كنا نقترب من حافة تحقيقها، مثل تحرير أسرى الداخل وإسقاط مخطط "برافر".

"هبت رياحك فاغتنمها"، هذا مبدأ المرحلة الذي يجب أن يُتّبع حتّى قبل أن نتأكد من ارتقاء الأمور إلى درجة انتفاضة شعبية، أو لنقل هبة وموجة غضب قوية وضاغطة تخشى من عواقبها المؤسسة، ما يضطرها إلى طلب التهدئة، وقد فعل فعلًا شمعون بيريز يوم أمس خلال اتصاله برئيس اللجنة القطرية، مازن غنايم.

هكذا فقط يكون لغضبنا معنى، عندما نسيّسه ونستثمره!

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]