إلى الآن لم نبرأ بعد من ترسّبات نتائج انتخابات البلديّة التي ما زالت تلاحقنا أسبوعيًّا من خلال الصُّحُف المحليَّة الأسبوعيّة ويوميًّا عَبْر المواقع الإلكترونيّة المحليّة! إلا وداهمنا إعصار المونديال الذي ضرَب شفاعمرو والمنطقة، فتحوّلت كل مدينة وقرية إلى ملعبٍ ضخم... المقاهي تحوّلت إلى مَقار للثّرثرة، تملأ جيوب الفراغ بالجدالات العقيمة حول نتائج ألعاب الليلة الماضية، هكذا تَستغل المقاهي جنون المونديال، بهدف أن تستيقظ من سُباتها الاقتصادي الطّويل، لتُحسّن لياقتها المعيشيّة.
المطاعِم الرّاقية المكيَّفة غدت صالونات أدبيّة... عفوًا صالونات رياضيّة، لأنها تعرض مجسّمًا مصغّرًا من نهائيّات المونديال، عبر نصب شاشات ضخمة، ليتسنّى للزوّار من مشاهدَة اللعبة بصورة أوضح، كراسي المطاعم تحوّلت إلى مُدرّجات جماعيّة صاخبة بالحماسة، بعض المتفرّجين يجلسون حول طاولات مفروشة بكل ما لذّ وطاب من وجبات صحيّة ومشروبات الطّاقة، ليشحنوا بطّارية حماسهم.
إنّ متفرّجي المطاعم المكيّفة لا يشعرون بمتعة سَير اللعبة، إلاّ إذا تصاعد دُخان فرحهم الأبيض من دواخين رؤوسهم إلى أعلى قمَم النّشوة، إمّا بالهدف الذي أحرزه اللاعب وإمّا بفوز منتخبهم، أو يُصرّخون مُعبّرين عن أسفهم لخسارته... فيتداخل الفرح والزّعل معًا، فلا نعُد نميّز بينهما، لأنّه للأسف "كل شي إلنا بشَر"، فهذه أرقى اللياقات التشجيعيّة الموسميّة.
في صباح اليوم التالي أصبح بعض الشُّبّان من أروع المحلّلين الرّياضيين المزاجيين لطريقة لعب هذا الفريق أو سواه، كل محلّل... عفوًا كل شاب، يُحلّل اللعبة من نظرته الكُرويّة الخاصّة، إلى أن تتضارب الآراء بين الشبّان، فيُمرّر كل وحدٍ فيهم كُرة فشل كُل منتخب إلى مرمى المدرّب، أو يقومون بتمريرها بكل بساطة نحو شبكة أخطاء حُكّام المباراة المتسرّعة، التي تحتاج إلى سد الثّغرات الجزائيّة في بعض أحكامهم، مثلاً هذه تؤكّد أن اللياقات التحليلية لشبّاننا عالية، تتمتّع بمعايير دوليّة عظيمة!!
لياقة الأطفال الشّرائية، لا يمكن أن يجاريها أحد، بعد أن أجمع غالبيتهم على تشجيع فريق البرازيل وانجرّوا وراء اللوازم العديدة المتعلّقة بهذا الفريق والمعروضة في المحلاّت، فهرعوا إليها برفقة أهاليهم لشرائها وازدهرت تجارة بعض المحلات ولم يعُد وسطنا العربي يعاني الركود الاقتصادي!! البيوت باتت عبارة عن نوادي مُراهَنَة، تتكاثر فيها خلايا تشجيع أكثر من فريق، يُراهن يوميًّا أفراد العائلة على الذي سيفوز بكأس العالَم، فتتفاقم حدّة النقاشات بينهم خلال السّهرة الموندياليّة المثيرة للمشاهدة والجدَل في آنٍ واحد، هذه لياقة عائليّة محدود الضّمان، لأنها ستؤدّي إلى حدوث مشاجرات زوجيّة على خلفيّة خسارة فريق ما، كما تشير نتائج الإحصاءات الأخيرة في العالم العربي.
المونديال بالنّسبة لغالبية الشعب البرازيلي الفقير، يرمز إلى عدم المساواة الاجتماعيّة... لأن الدّولة هدرت مليارات الدولارات على تطوير البنى التحتيّة إكرامًا لهذا الحدث، إلاّ أنها لم تُحَسّن الوضع المعيشي السّيئ للسّكان، أمّا المونديال بالنسّبة لي إنه رمز للعَبَث والإزعاج، عِوَض أن يكون رمزًا للياقة الأخلاقيّة الرّاقية، من أجل أن يُقدّر بعض شبّاننا الرّياضيين معنى الرّوح الرياضيّة العالية للمنتخبات العالميّة وكيفيّة احترامهم لنتيجة الآخر... بمصافحة المنتخب الخاسر!! لقد حان الوقت بأن يلجم بعض الشّبّان قليلاً جموح فرس ابتهاجهم في ميدان انفلاتهم، إلى الآن لم أفهم لماذا يتصرّفون بهذه الطريقة الاحتفالية غير المبرّرة؟! لربّما هذه بروفات، لافتتاح دورة كأس الوسط العربي في كرة القدم؟!... يا حبّذا
[email protected]
أضف تعليق