استعجلتَ الرحيلَ، تركتَ قلوبا تفيض بكاءً، نواحا وعويل
أتينا اليومَ من كل حدبٍ وصوبٍ وتجمّعنا في كنيسة القديس جوارجيوس في الرملة لكي نشاركَ في قدّاس وجُنّاز الأربعين راحةً لنفس المرحوم المأسوف على شبابه الياس الكرم(أبو فريدي). هذا الإنسان الذي يستحيل نسيانه، فقد استعجل الرحيلَ الى حيث لا وجعٌ ولاحزنٌ وهو في قمة طموحهِ وآمالهِ وأحلامهِ. ابن هذه المدينة ألتي أحبّها، وعشقها، وعاش فيها أجمل أيامَ حياتهِ الى جانب عائلتهِ، وأقاربهِ، وأصدقائهِ، وبنى مستقبلا وأسّس أسرة كريمة. فقد غيّبَ الموتُ الياس الكرم، طيبَ القلب، المحبّ، المعطاء، الحنون، المساعد، المؤمن، ذو الأخلاق الطيبة، والسمعة الحسنة، المخلص لزوجته، ولأسرته، والمحب لعائلته. لقد غادرَنا بالجسد ( 22.5.14) وبقيت روحُه الطاهرة ترفرفُ في كل ناحية عاش وتنفّس فيها.
وترك وراءه ثلاثةَ أولاد يفتقدونه، ويبكونه: فريدي، فرانس، ويولي. وزوجةً مخلصة في ريعان العمرِ، وهي رنينُ الحزن والأنينِ على فراق زوجها الذي أحبّته وأحبّها، فقد عاشا بإخلاص، واحترام، حتى فرّق بينهما الموت. سارا على الدرب معا، شقّا طريقهما، ودام رباط الزواج المقدس حتى الموت حسب الإنجيل المقدس
"ما جمعه الله لا يفرقه إنسان" ( متى 6:19)
كان فراقه صدمةً وقعت كالصاعقة لا يحتملها العقلُ البشري:
" فقد أصبح البيت بعده ظلمة لا تطاقُ، لا مزاحٌ، لا ابتسامٌ، لا مرحٌ، لا عناقُ
جَفّت الآمالُ، وحام الفراقُ، وانطفأ نورهُ، وطال الليلُ والإنتظارُ، والأشواقُ"
لقد تثبّتَ الراحلُ بالصلوات والكتاب المقدس، يُصلّي بإيمان وخشوع، مخففا عنه آلام وعذاب المرض. وكان الأمل لا يفارقه، بأن يُشفى ويعود الى أحضان العائلة إلا أنّ الموت غلبه واختطفه، قاطعا أحلامه وتفاؤله. وكانت الصلاة الأخيرة ألتي صلّاها برفقة زوجته الصلاة الربانية ألتي علّمنا اياها يسوع المسيح"أبانا الذي في السموات... لتكن مشيئتك... فاغفر لنا خطايانا..." وبعد وقت قصير فارقت روحه جسده وصعدت الى خالقها.
أيها الحضور الكرام لن أنسى ذلك اليومَ الذي حملنا فيه جثمانَ المرحوم الياس الكرم ابن ال 37 عاما على الأكتاف من بيت عائلته، وصولا الى كنيسة القديس جوارجيوس، ومن ثم الى المقبرة، حيث تعالت أصوات البكاء والنُواح على عزيز غادرنا. فقد أدهشتني هذه الجنازة المهيبة ألتي تدل على محبة واحترام كل من عرف الفقيد. فكنا نشقّ طريقنا في شوارع الرملة، وقد ساد صمت رهيب، وحزن شديد، وصولا الى المقبرة . وقد رفضت زوجة الراحل أن تترك النعشَ وحيدا، مكشوفا، وبقيت تلمسُ يده ووجهه في يومه الأخير، طوال الطريق حتى وصلنا باب المقبرة، رافضة تركه وحيدا، معبّرة بدموعها الحارة وبلوعة أنهما عاشا قصة حب وإخلاص على مدار 15 عاما حتى غزا الموت جسدَ الفقيد.
فالإنحيل المقدس يقول عندما يتزوج رجل بإمرأة فانهما "ليسا في ما بعد اثنين بل جسد واحد" (متى 6:19) وهذا يعني ان رباط الزواجِ يجب أن يدوم بين الرجل والمرأة في محبة الله ومخافته حتى الموت وهذا ما سار عليه هذان الزوجان اللذين فرّق الموت بينهما.
أقول لكل من فقد عزيزا على قلبه، عاشت البشرية بدهشة عميقة أمام سرّ الموت، فطرحت تساؤلات مقلقة: لماذا الموت؟.. هل أنتهي عنده؟.. هل هناك حياة أخرى بعده؟. لكننا نقول بأن المسيحي يؤمن أن السيد المسيح أعطى مفهوماً جديداً عن الموت وعن الحياة بعده، اذ لم يكتفِ يسوع المسيح بأن أقام الموتى، بل أراد الحياة لكل من يؤمن به اذ قال في الإنجيل المقدس
"من آمن بي وإن مات سيحيا"
أختتم كلمتي بتقديم تعازيّ الحارة الى كل من أحبّ الفقيد
فلتبق ذكراه الى الأبد في قلوب وعقول محبّيه مهما طال الغياب
بالأصالة عن عائلة الكرم، وعائلة ساحوري، وجميع الأقارب، والأصدقاء
[email protected]
أضف تعليق