لا نعرف كيف ستتطور قضية خطف الشبان اليهود وعما ستؤول عليه الأوضاع ذلك سيعتمد على مصير الشبان أنفسهم وكذلك بحسب تطورات العملية العسكرية المحدودة التي يقوم بها جيش الاحتلال ونتائجها على المدنيين الفلسطينيين الذين بدأوا يعانوا الأمرين منها وقد أسفرت حتى الآن عن سقوط خمسة شهداء كان آخرهم بالأمس الشهيد مصطفى حسني أصلان ابن الرابعة والعشرين من مخيم قلنديا الذي توفي متأثرا بجراحه نتيجة إطلاق النار عليه من قبل الجنود الاسرائيليين قبل أيام.
لكن من المؤكد أنه بعد تنكر حكومة نتانياهو لإلتزاماتها ورفضها تنفيذ إطلاق سراح الدفعة الرابعة من السجناء وانتهاء جولة المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الوطنية إلى انسداد شبه تام في شرايين أي عملية تفاوضية تدخل المنطقة عمليا إلى مرحلة جديدة ستتسم بالاحتقان والتوتر ونتوقع فيها العديد من التحولات والتغييرات المرشحة للتفاعل والاشتعال وهنا كل سيناريو محتمل الحدوث.
إسرائيليا وإن بدت حكومة نتانياهو ثابتة ومستقرة مع أجندتها اليمينية المتطرفة سياسيا والأن وبعد توقف المفاوضات أصبح تحكم المستوطنين الداخلي والخارجي بها أقوى وأوثق مما يحرج شركاء الائتلاف من ذوي أجندة حل الدولتين مثل حزب يش عتيد والتنوعاة. تصريحات لبيد وليفني السياسية الأخيرة في مؤتمر هرتسليا تنم عن بدء التقلقل الداخلي في الائتلاف ولكن ليس إلى حد يؤدي إلى فض الشراكة وإسقاط الحكومة في الأشهر القريبة حيث أن وضع الحزبين في الشارع الاسرائيلي حسب الاستطلاعات غير مطمئن لهما بالمرة حيث سيفقد لبيد نصف قوته أما حزب التنوعاة فسيزول من الخارطة السياسية تماما. هذا يعني بحسب مفاهيم الساحة الحزبية الاسرائيلية في العقود الأخيرة أن الوضع مرشح لنشوء تشكيلات حزبية جديدة عبر اندماج أحزاب مثل العمل والتنوعاة وظهور أحزاب جديدة مثل حزب كاحلون (الوزير الليكودي السابق) الذي لم يقرر بعد أن يشكل حزبا جديدا ولكن الاستطلاعات تعطيه من 7-10 مقاعد في البرلمان. هذه العملية التي تجري تحت سطح المستنقع الاسرائيلي بحاجة إلى وقت للتفاعل والإختمار في حالة الركود السياسي قد يمتد إلى أكثر من سنة. في هذه الأثناء بدء نتانياهو يواجه تحديات ومصاعب من داخل حزبه حيث ولأول مرة هناك من يظهر كمنافس جدي له على زعامة الليكود منذ سنوات بعد أن أزال المنافسين التقليديين مثل سيلفان شالوم من طريقه. ففي موضوع انتخابات رئاسة الدولة ظهر زعيم الليكود القادم في شخصية جدعون ساعر الذي عارض وواجه نتانياهو علنا في رفضه لأي تغيير في مؤسسة الرئاسة وكذلك في دعمه لمرشح الرئاسة رؤوبين ريبلين الذي فاز رغم معارضة نتانياهو له. ساعر اليميني المتطرف والمقرب جدا للمستوطنين يتمتع بشعبية كبيرة داخل مؤتمر حزب الليكود وهو من ينتخب قائمة المرشحين والمرشح لرئيس الحكومة. في حالة بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى أن ساعر يتمتع بشعبية مضاهية أو قريبة من تلك التي يتمتع بها نتانياهو فهذا يعني أن نتانياهو سيواجه منافسا قويا على زعامة الليكود خلال وقت قصير جدا. من المهم الالتفات أن الليكود الحزب الحاكم بعد انشقاق شارون المشهور وظهور حزب كاديما تقلصت قوته إلى حد كبير وفي الانتخابات الأخيرة خاضها بشراكة مع حزب ليبرمان الأمر الذي جعلهما سوية القائمة الكبرى مع 32 مقعد مما ضمن رئاسة الحكومة لنتانياهو ولكن الليكود كحزب خسر الكثير وهو يملك فقط 21 مقعدا لوحده والناقمين على نتانياهو بسبب ذلك كثر حيث يعتبرونه ضحى بمصالح الحزب لصالح الشراكة مع لبرمان. كذلك ولربما هذه الأهم فإن الجسم المسيطر داخل الليكود تتحكم به مراكز قوى أهمها مجموعات المستوطنين والمتطرفين من اليهود المتدينين وهؤلاء يمثلهم في القائمة أشخاص مثل زئيف ألكين وداني دانون ويريف لفين وتسيبي حاتوفيلي وهم أكثر سوءا وتطرفا من البيت اليهودي وهؤلاء هم من استبعد الليكوديين الليبراليين أمثال مريدور وبيجين وميكي ايتان من قائمة الكنسيت مما يدل على استفحال قوتهم داخل الليكود. هذه الأوضاع غير المستقرة بالنسبة لنتانياهو داخل حزبه وأيضا داخل الإئتلاف ستجعله بطبيعة الحال يعمل جاهدا على إطالة عمر حكومته الحالية وتجنب أزمات أو صراعات تفجيرية والحفاظ على الوضع القائم من خلال استمراره في إدارة الصراع الخارجي وإدارة أزماته الداخلية. على هذه الخلفية فإن التدهور المحتمل في الأوضاع الأمنية مع عملية الاختطاف والإمعان في العملية العسكرية والعقوبات الجماعية تمثل تهديدا كبيرا لنتانياهو ولهذا فقد قام جيش الاحتلال بتخفيف وطأة حملته (على الأقل صرحوا بنيتهم فعل ذلك) مع إدراكه أن الشهر الفضيل على الأبواب وأن استمرار الضغط قد يولد الانفجار. في كل هذا الواقع يشكل وجود السلطة الوطنية بالنسبة لنتانياهو عامل مهدئ ومثبت للوضع مما يخدم سياسته تماما ولهذا فمع تصاعد نبرة التهديدات وتحميل المسؤولية إلا أن هناك تماثل مصالح شبه كامل في الفترة القادمة بين الطرفين ولهذا فإن التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل يعتبر استراتيجيا للطرفين وعاملا أساسيا في الحفاظ على الوضع القائم الذي هو من المؤكد في مصلحة نتانياهو ولربما للسلطة الوطنية بأجهزتها ولكنه بالتأكيد مضاد تماما للمصلحة الوطنية الفلسطينية وللسعي الفلسطيني لنيل الحرية والاستقلال. الحفاظ على الوضع القائم يعني إستمرار الإستيطان ويعني استمرار فرض سياسية الأمر الواقع ومصادرة الأرض والموارد الطبيعة وتكريس واقع القمع والسيطرة والاستبداد والفصل العنصري فأي مصلحة للشعب الفلسطيني في ذلك؟
فلسطينيو الداخل بأحزابهم وقواهم السياسية والاجتماعية وحراكاتهم الشبابية يواجهون أخطر وأعنف حكومة إسرائيلية منذ عقود طويلة حكومة لديها المخططات والقدرة على سن القوانين لتمرير المخططات ولديها الموارد الاقتصادية وكذلك العزيمة والتصميم لتنفيذ مخططاتها وهذا ما جرى ويجري في قضية مصادرة أراضي النقب وفي قضية رفع نسبة الحسم ومحاصرة الوجود العربي في كل مكان. نحن ذوو مصلحة حقيقية في إسقاط هذه الحكومة ومخططاتها العنصرية وتشويش الوضع القائم والاستعداد للمراحل المقبلة التي ستفرض بالتأكيد خوض مشترك للإنتخابات القادمة ولهذه يصبح موضوع التعاون والحوار والتفاهم بين الأحزاب العربية موضوعا حياتيا من الدرجة الأولى ويصبح التلكأ في ترتيب أمور لجنة المتابعة وإعادة بنائها ترفا يصل إلى حد التحلل من تحمل المسؤولية الوطنية وهذا أمر نتحمل تبعاته جميعا.
[email protected]
أضف تعليق