سأعود من جديد لحادث الاغتصاب الجماعي المأساوي الذي عاشته القاهرة منذ بضعة أيام.إنه ليس مجرد حدث عابر يمر بنا، نتحدث عنه قليلا... وننسى الأمر. إنه كارثة حقيقية يجب أن تسائلنا بعمق وأن تهزنا بشدة.

ما زلت أتابع التعليقات في وسائل الإعلام المختلفة... وما زلنا نتحدث عن المجتمع المصري المحافظ بطبعه.

وما زلت لا أفهم كيف نستمر في الكذب على ذواتنا بهذا الشكل لكي نقنع أنفسنا بأننا ناس طيبون.

مجتمع تعاني أزيد من تسعين بالمائة من نسائه من ظاهرة التحرش، وذلك حسب دراسات ميدانية، وما زال يعتبر مناقشة الظاهرة ترفا.
تسعون بالمائة... هل ندري حمولة هذا الرقم؟ تسعون بالمائة من النساء المصريات يتعرضن للتحرش بشكل يومي.

اثنان وسبعون بالمائة منهن محجبات أو منقبات...

في مجتمع محافظ بطبعه... في مجتمع متدين بطبعه.
هناك شيء ما، ليس على ما يرام.

لا أريد أن أدين المصريين، فأمراض مشابهة كثيرة، منها التحرش والاغتصاب والاعتداءات الجنسية على الأطفال، تنخر مجتمعنا المغربي أيضا. قد لا تصل إلى نفس الحدود الهستيرية، لكنها في المغرب أيضا وفي دول أخرى كثيرة تتجاوز حدود الحالات المعزولة وتصل إلى مستوى الظاهرة الحقيقية.

وما زلنا، كالمصريين، نتساهل معها ولا نملك شجاعة مواجهة ذواتنا بها.

ما زلنا نعتبر الحديث فيها ترفا واستفزازا مجانيا.
ثم، هناك أولويات... البناء الديمقراطي والمؤسسات والثورات... وكأن الكرامة والحرية وحرمة الجسد والمساواة ليست قيما تشكل عمق العدالة وأسس البناء الديمقراطي وأحد أهم مطالب الثورات في كل العالم.

وقريبا، سيأتي علينا من يقول: في أمريكا أيضا توجد اغتصابات... وفي هولندا أيضا هناك تحرش... وفي المريخ، وفي زحل...
طبعا... ليس هناك عالم مثالي... لكن الفرق بيننا وبين العالم المتحضر، أنهم هناك، لا يخافون من أمراضهم. لا يتسامحون مع مجرميهم. يناقشون القضايا الحقيقية، سياسية ومجتمعية وحقوقية، في وسائل الإعلام. يحاكمون المجرمين...

مجتمع يبرر التحرش والاغتصاب ليس مجتمعا متدينا ولا مجتمعا محافظا بل مجتمعا مريضا.

مجتمع يتسامح مع المغتصب ويدين الضحية ليس مجتمعا محافظا بل مجتمعا مكبوتا يستحق العلاج.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]