رغم عدم اتضاح حيثيات اختفاء المستوطنين الثلاثة، يواصل الجيش الإسرائيلي حملة الإجتياح والمداهمات في المدن الفلسطينية، خاصة في منطقة جنوب الضفة الغربية، حيث، وفق الإدعاء الإسرائيلي، يتواجد الثلاثة، كمخطوفين بأيد فلسطينية. ولا تخفي حكومة نتنياهو أن هدف حملتها العسكرية الجديدة لا يقتصر على العثور على طرف خيط عن "المخطوفين الثلاثة"، بل يتعدى ذلك لهدف سياسي أوسع وهو ضرب البنية التحتية لحماس في كافة أنحاء الضفة الغربية، وتقويض حكومة الوفاق الوطني والمصالحة التي ترى فيها إسرائيل تهديدا استراتيجيا.

لقد قامت إسرائيل حتى الآن باختطاف نواب من المجلس التشريعي واعتقلت المئات من المواطنين الفلسطينيين واقتحمت مقرات جمعيات خيرية وأهلية، ولم تتردد في إعادة اعتقال محرري صفقة "وفاء الأحرار" ضاربة بعرض الحائط التزاماتها بالأمس القريب. ومن المتوقع أن تستمر حملة العقاب الجماعي والإرهاب الإسرائيلي بلا علاقة مباشرة بموضوع المستوطنين الثلاثة.

ومع أن الغموض يكتنف اختفاء المستوطنين، إلا أن إسرائيل سارعت للإعلان أنه جرى اختطافهم، وسربت للإعلام بأن الخاطفين لهم علاقة بحركة حماس. ويأتي هذا الإعلان الإسرائيلي لإضفاء الشرعية المزيفة على جرائمها ولتبرير اجتياح الضفة وقصف غزة. واستمدت إسرائيل، ويا للعار، دعمًا إضافيًا في حملتها العدوانية على شعبنا من خلال "التنسيق الأمني" وتصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المنسجمة مع المخطط الإسرائيلي، بدل العمل على إحباط أهداف الاجتياح.

وإذ تدق الحكومة الإسرائيلية طبول الحرب، يقف الإعلام الإسرائيلي مجندًا في صناعة الكراهية والتطرف القومي والحقد العنصري، وبات المجتمع الإسرائيلي مؤلبًا ضد أي رأي مخالف وأي موقف مناقض للتوجهات الرسمية للحكومة والجيش والأجهزة الأمنية. من هنا جاءت حملة التحريض غير المسبوقة ضد النائبة حنين زعبي لأنها قالت ما يجب قوله في هذه الساعة وهو أن الإرهاب الحقيقي هو ما تقوم به حكومة إسرائيل من اعتداءات على المدن الفلسطينية وأهلها، ولأنها أصرت على رفض التعريف الإسرائيلي لما هو "إرهابي" وما هو "شرعي".

لقد شمل الإنفلات العنصري ضد النائبة زعبي نوابًا من اليمين المتطرف في البيت اليهودي حتى حزب العمل مرورًا بوزير الخارجية افيغدور ليبرمان ووزيرة الثقافة ليمور ليفنات ووزيرة القضاء تسيبي ليفني ونائب الوزير أوفير أكونيس وكذلك رئيس الكنيست ورئيس الائتلاف وعدد كبير من أعضاء الكنيست والكتاب الصحفيين والمحاضرين. ولو سألنا هؤلاء لوجدنا أغلبيتهم الساحقة لا يعرفون بالضبط ما قالته النائبة حنين زعبي، وهم ركبوا موجة التحريض كردة فعل تلقائية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء معرفة الحقيقة ودون أي محاولة لمناقشة الموقف الذي خرجوا ضده. لقد كشفت هذه الحملة عن الخوف من صوت الحق والحقيقة، وعن أن القيادات الإسرائيلية كانت متأهبة للانقضاض على من يتحدى القبيلة الإسرائيلية وخطاب الحقد.

جوقة التحريض لا تردعنا، وتأليب الرأي العام ضد النائبة زعبي وما تمثله من مواقف لا يهزنا، والتهديد بفرض العقوبات لا يخيفنا. للتجمع، الذي تمثله زعبي،موقف لا يتزحزح عنه مهما كلف الثمن وهو أن كفاح شعب فلسطين هو نضال تحرر وطني وليس إرهابًا. هذا هو السياق الفعلي للنضال الفلسطيني، وفي خضم النضال من أجل التحرر قد يكون هناك نقاش حول استراتيجيات المقاومة الأنجع والأجدر والأفضل لدحر الإحتلال والفوز بالحرية، ولكن هذا كله يدور تحت مظلة وفي إطار التحرر الوطني. أما الإرهاب فهو ما تقوم به إسرائيل أسلوبًا وهدفًا، حيث تقتل وتشرد وتهدم وتحاصر وتعتقل وتصادر وتقمع وما شابه ذلك من أفعال الخطيئة والظلم، وذلك بهدف مصادرة حقوق الإنسان وحقوق شعب فلسطين.

لقد أعلنا منذ البداية أننا نأمل أن تنتهي قضية المفقودين الثلاثة بسلام، وما تقوم به إسرائيل من حملات اجتياح واقتحام هو جريمة وإرهاب ولن يؤدي إلى حل المشكلة فعلا. يأتي الخيار العسكري لمنع إمكانية تبادل للأسرى، حتى لو أدى ذلك إلى مقتل ليس الخاطفين وحسب بل المخطوفين أيضا. ما لا تقوله إسرائيل جهارة هو أنها مستعدة للمخاطرة بحياة المفقودين الثلاثة. لو كانت الأولوية عند إسرائيل هي إنقاذ حياتهم، لأعلنت على الملأ أنها مستعدة للتفاوض وإطلاق سراح الأسرى الإداريين على الأقل. هي لم تفعل، وهي تتحمل المسؤولية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]