مع أن قائد شرطة إسرائيل في منطقة الشمال، أعرب عن اعتقاده أن لصوص سيارات أو عصابات إجرامية قد نفذت عملية خطف المستوطنين الثلاثة الخميس الماضي، إلاّ أنه مع ذلك، لم ينسَ أن يحمّل حركة حماس مسؤولية عملية الخطف هذه، هذه إشارة إضافية إلى المستوى الذي وصلت إليه القيادات الإسرائيلية من التخبط من ناحية، وتوفير المبررات لتحويل عملية استقصاء أثر المخطوفين والخاطفين إلى عملية عسكرية متدحرجة في الضفة الغربية المحتلة.
"كالبحث عن إبرة في كومة قش" و"كتجفيف البحر للإمساك بالأسماك" هذه بعض تعليقات وسائل الإعلام الإسرائيلية المندهشة من الانتشار العسكري والأمني في الضفة الغربية بذريعة البحث عن أثر للمخطوفين، ذلك أن الجميع يعلم أن جدية هذا البحث ترتكز على العنصر الاستخباري بالدرجة الأولى، لكن هذا الانتشار الواسع للقوات الإسرائيلية من شأنه أن يزيد الشكوك حول الأسباب الحقيقية وراء هذه العملية، أي عملية البحث من خلال التوسع في انتشار القوات الإسرائيلية وإغلاق مدن ومخيمات الضفة الغربية بالتوازي مع حملة اعتقالات واسعة تركزت على قيادات وكوادر ونواب حركة حماس تحديداً.
ومع أن عملية الخطف هذه قد تمت في المنطقة "ج" الخاضعة كلياً للسيطرة الإسرائيلية، إلاّ أن ذلك لم يوفر أسباباً منطقية حتى تكفّ القيادة الإسرائيلية من توجيه اللوم وتحميل أبو مازن مسؤولية هذا الخطف، في اطار رسالة واضحة، تشير إلى أنه لولا عملية المصالحة الفلسطينية ما كان لمثل هذه العملية أن تحدث، وهو أمر غير صحيح كما يعلم كافة الجمهور الإسرائيلي، إذ ان عملية خطف وأسر الجندي شاليت سابقاً، وكذلك الكشف عن اتفاق بين غزة وتخوم الحدود مع إسرائيل، إضافة إلى أن معظم الفصائل الفلسطينية لم تتوقف عن إعلان نواياها على الملأ، من أنها تسعى إلى خطف جنود ومستوطنين إسرائيليين، خاصة بعد أن نجحت صفقة شاليت بالإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، وبالتالي، فإن مثل هذه العملية، بفرض أن فصيلاً فلسطينياً قد قام بها، فإن ذلك لا يتعلق بعملية المصالحة، بقدر ما يتعلق الأمر بما من شأنه الإفراج عن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين الذين يقودون ثورة "ملح ومي" استمرت لأكثر من خمسين يوماً حتى الآن.
ومع أن إسرائيل تحاول علناً الإعلان عن موقفها الرافض تماماً للمصالحة الفلسطينية، إلاّ أنها من الناحية الواقعية، ترى أن هذه العملية قد تمضي قدماً أو قد تتعثر، وإذا ما نجحت هذه العملية، فإن ذلك يفرض على القيادة الإسرائيلية التعامل معها، كي تنتفع إسرائيل بالمصالحة كما انتفعت بالانقسام، خاصة أن هذا الأمر قد يوفر لها المزيد من الأمن والأمان على ضوء التنسيق الأمني في الضفة، والهدنة مع غزة، أما إذا تعثرت المصالحة لأسباب فلسطينية داخلية بالأساس، "فيا دار ما دخلك شر" وتعود إسرائيل لتقول إن "أبو مازن" لا تتوفر لديه شروط الشريك الصالح لإنجاز عملية تفاوضية ناجحة.
الجيش الإسرائيلي عارض الفكرة التي طرحها رئيس الحكومة نتنياهو بإبعاد قادة حماس المعتقلين إلى قطاع غزة، تعبيراً عن ذكاء قادة الجيش في هذا الاطار، ففي حال القيام بالعملية المتدحرجة والمستمرة في الضفة الغربية، فإن من شأن ذلك إضعاف حركة حماس خاصة وأن إسرائيل ستكون قادرة دوماً على ملاحقة واعتقال هؤلاء، بينما الأمر على خلاف ذلك في قطاع غزة الواقع تحت السيطرة من قبل حركة حماس، قبل وبعد المصالحة.
ليس من المتوقع الوصول إلى يقين حول مصير المستوطنين المفقودين الثلاثة، ومع الوقت ستصبح الضفة الغربية تحت الاحتلال كما كان الأمر عليه قبل اتفاق أوسلو، قد تأخذ عملية الاحتلال هذه بعض الوقت إلاّ أنها النتيجة الحتمية لاستمرار انتشار القوات الإسرائيلية في كل شوارع وقرى ومدن ومخيمات الضفة، لكن ما هو مختلف هذه المرة، أن إسرائيل لن تتحمل التبعات المباشرة لهذا الاحتلال كما كان عليه الأمر قبل "أوسلو" إذ ان وجود السلطة أو دولة فلسطين سيوفر على الاحتلال مثل هذه التبعات والمسؤوليات.
من المستبعد أن تكون إسرائيل قد اختلقت مسألة اختفاء المستوطنين الثلاثة، لكن ليس من المستبعد أن تستثمر هذا الاختفاء لتنفيذ سياسة احتلالية تقليدية من خلال عملية عسكرية "هادئة" نسبياً للسيطرة على الضفة الغربية، ليس لإفشال المصالحة، ولكن لاستثمار المصالحة أمنياً بالدرجة الأولى لصالح عقيدتها الأمنية!
[email protected]
أضف تعليق