لم يعد "الفيسبوك" طاغيا في مجتمعنا بين صغار السن فحسب.. لكن الكبار أعجبوا به أيضا واقتحموا عالمه، بعدما تلمسوا طرقه. ومن خلال "الفيسبوك" تبنى صداقات وتنشأ علاقات، كما تقع خصومات بل تحدث خلافات.. وصلت حد النزاعات والطوشات. وفي حالات أخرى أصبح "الفيسبوك" الوجه الآخر والبديل للقاءات الصباح أو المساء، حول فنجان القهوة في أحد البيوت، واستعراض "أخبار" أهل الحارة وما جاورها من حارات، خاصة الاجتماعية منها والمتعلقة بالنساء، أخبار المشاكل العائلية مثل الطلاق و الخطوبات والزيجات وكل ما ينتشر من شائعات. أو هو أشبه بالحارة الضيقة، وحين يتخاصم الصبية فيها يقف أحدهم في رأس الحارة، ويطلق شتائمه ووعيده للموجودين في الطرف الآخر، وسرعان ما يفر هاربا عندما يلحظ أي حركة مشبوهة أو إشارة.

بل أضحى "الفيسبوك" ميدانا وملعبا للتنافس بين المشتركين، وخاصة النساء في عرض أزيائهن وأناقتهن، حيث تلجأن إلى عرض الصور في مناسبات مختلفة وأوضاع مختلفة. وكلما تحركت المرأة يجب أن تخبر الجميع أين هي وفي أي موقع، أو تنزل صورة لتشاهد كم اعجاب (لايك) يصلها أو تعليقات أو كلمات ثناء (والغواني يغرهن الثناء). ويحتد التنافس وخاصة بين الصديقات، هذه تغير صورتها الشخصية فتنهال عليها التعليقات والإطراءات، وهنا تنشب نار الغيرة في صديقتها فتلجأ إلى تبديل صورتها الشخصية هي الأخرى، لتجمع تعليقات ولايكات أكثر، وهناك رجال يجارون النساء في القال والقيل عبر الفيسبوك.

وللفيسبوك استعمالات عديدة ومتعددة، وأخذ استعماله يمتد لزوايا وأغراض متنوعة وأهداف متناثرة. فهذه امرأة مطلقة تكثر من انزال صورها في أوضاع مختلفة وخاصة تلك التي تجمعها برجال وشباب، كي تغيط طليقها من جهة وتجعله يندم على ما أقدم عليه وليشعر بالخسارة "الجسيمة" التي لحقت به، ومن جهة أخرى تسعى لأن تلتقط "عريس" الغفلة. والمرأة العاشقة وكي تغيظ عشيقها أو عشاقها والمعجبين بها، وتستثير اهتمامهم واهتمام آخرين من رواد الفيسبوك العابرين، فانها تكثر من انزال صورها مع زوجها في أوضاع حميمية، مثلا وهي تعانقه أو تجلس في حضنه، أو في جلسة بالملابس المثيرة التي لم يكن يجوز لغير زوجها رؤيتها بها. ويعتقد الزوج أن زوجته تفعل ذلك لتظهر للناس مدى حبها له وتعلقها به.

وفي حديث مع أحد الأصدقاء أبدى دهشته من أولئك الذين يكتبون تعليقات أو ينسخون اقتباسات، تبدي عكس ما هو عليهم حقيقة، ويحاول أصحابها التجمل إن لم يكن الكذب، وعلق صديقي بأن الفيسبوك وهو كتاب الوجه يفضح وجوها كثيرة في مجتمعنا، حيث نسي أولئك أننا ما زلنا في مجتمع يعرف بعضه البعض، ولسنا في المجتمعات الغربية التي أنشأ الفيسبوك من أجلها ومن أجل أن يتعارفوا على بعض، ويقصد أنه يكفيكم تجملا ومحاولات خداع فاشلة واحترسوا ألا تبالغوا في كتاباتكم وصوركم!

وراء الابتسامات المصطنعة في صور "الفيسبوك" تختفي غصات، وخلف العناق الظاهري تستتر مشاعر دفينة في القلوب. أما الانسان اللماح لا بد له وأن يلاحظ أن تعابير الوجه والعينين تخفيان عكس ما تظهران، وأن في النفوس والقلوب عكس ما تنقله لنا الوجوه من ملامح مزيفة. ولأنها تحاول التأكيد له أنها سعيدة في حياتها وبيتها، وترسل الصور لتأكيد ذلك فهو على يقين أن ذلك غير صحيح، ويكتب لها تعليقا عاطفيا مغمورا بالمشاعر الرقيقة.

(شفاعمرو – الجليل)

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]