يبدو للمراقب السياسي ان ما يجري في الخليل لا يمت بصلة لخطف ثلاث شبان يهود. او ان خطف الشبان وقع في توقيت ملائم للنهج السياسي الذي قيد به رئيس حكومة اسرائيل يديه وتفكيره به منذ بداية لعبة المفاوضات.بل منذ عرفنا نتنياهو وسياساته.

يبدو واضحا ان نتنياهو ينطلق من فكرة "رسوليتة" ،مشروع تختلط فيها السياسية بالفكر التوراتي الخرافي.

لا اشكك بذكاء نتنياهو، لكني اشكك بقدرته على فهم المخاطر من تصلبه السياسي التوراتي على مستقبل شعبه أولا وعلى مستقبل الفلسطينيين ثانيا وامتداد هذا التأثير على واقع الشرق الأوسط برمته. ايضا لا بد من التأكيد انه لا يمكن تجاهل ما يجري في منطقتنا اليوم.

في استطلاع للرأي اجرته مجموعة من الباحثين من الجامعة الاحتلالية "اريئيل"، قال 52% من المشاركين في الاستطلاع ، ان المصادمات بين الجيش والمستوطنين تجعلهم يغيرون موقفهم من التماثل مع المستوطنين الى تأييد الانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتلة. الظاهرة الأهم في الاستطلاع انه يؤشر الى انخفاض معارضة الجمهور (اليهودي طبعا) لتقديم تنازلات عن اراض للفلسطينيين، 59% يعتقدون ان المستوطنين يلحقون الضرر بعلاقات اسرائيل مع الولايات المتحدة. كذلك يتبين ان 40% يعتقدون ان الاستيطان هو تبذير لأموال الدولة ويؤيد 52% انسحابا جزئيا او كاملا من المناطق المحتلة باتفاق.

هذا الاستطلاع مؤشر معاكس لسياسات نتنياهو. جرى قبل خطف الشباب اليهود.هل يحاول نتنياهو بموندياله ألاحتلالي في الخليل قلب اتجاهات الرأي العام في إسرائيل ام سيحقق نتائج عكسية تماما كما يتوقع العديد من أصحاب الرأي اليهود؟

طبعا ليس هذا ما يريده نتيناهو..جاء خطف او "اختفاء" الشباب اليهود ليعطي نتنياهو ما ترغب به نفسه.اصر على اتهام حكومة السلطة الفلسطينية لأن حماس شريكة فيها رغم عدم وجود أي ممثل لحماس في طاقم الحكومة ورغم أن الاتفاق بين فتح وحماس ما زال في اطار شكلي وليس تنفيذي. نتنياهو عاد يكرر ان حماس هي المسؤولة عن خطف الشباب رغم ان اجهزة الأمن الاسرائيلية لم تدل بأي اشارة الى هوية الخاطفين وحماس رسميا أنكرت علاقتها بعملية خطف الشباب... مما يعني ان حماس تخلت عما يسمى "النضال المسلح". فهل يريدها نتنياهو ان تعود ادراجها؟ ان تهمه صارت نوعا من التكرار الممل!!

لماذا هذا الاصرار من رئيس حكومة اسرائيل لاتهام حماس ؟ وما هي المعلومات التي يعتمدها في القاء تهمه؟ ايضا حمل الرئيس الفلسطيني ابو مازن المسؤولية. هل يريد من الشعب المحتلة أرضه والذي يواجه القمع ألاحتلالي ، زعرنة ألمستوطنين ، ظواهر تدفيع الثمن، قتل الشباب الفلسطينيين بلا أي مبرر أمني وآلاف ظواهر العنف ألاحتلالي ان يقلقوا لمصير المستوطنين؟

اذا كانت حقا هناك عملية خطف ، أقول بوضوح انها لا تخدم معركة الشعب الفلسطيني لكنس الاحتلال وفضح ممارساته القمعية وتجاوزه لكل القوانين الدولية.العكس هو الصحيح. الخطف جاء تماما ليعطي نتنياهو ما ترغب به نفسه من التحريض على السلطة الفلسطينية ، تحريض منفلت مكرر على النهج العقلاني الذي يمارسه الفلسطينيون في ألمفاوضات الذي يجرد اسرائيل من مصداقيتها ومجندا العالم كله، حتى الأمريكيين ، لتوجيه النقد الحاد لسياسة نتنياهو ومناوراته، وحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" قبل ايام اتهم الرئيس الأمريكي اوباما نتنياهو بأنه جبان ويشكل خطرا على مستقبل إسرائيل وانه لا يفهم ان الخطر الايراني محدود بالوقت بينما خطر عدم حل القضية الفلسطينية يشكل الخطر الأساسي على مستقبل إسرائيل وان زيادة عزل اسرائيل دوليا قد يبعد الولايات المتحدة تدريجيا عنها رغم ان الولايات المتحدة لم توقف حتى الآن تزويدها بالسلاح.

ان دفع هذا العدد الضخم من القوات الاسرائيلية الى الخليل ، كأننا في حرب مع "دولة الخليل ألنووية "هو مونديال عسكري لخدمة مكانة نتنياهو في السياسة الاسرائيلية.

رؤيتي ان العملية في الخليل تجاوزت حدود الممكن والمعقول وقد تكون نتائجها عكسية تماما.اولا: فشلت الجحافل العسكرية والمخابراتية ومختلف أجهزة الأمن وعملاء اسرائيل من السكان ألمحليين في ايجاد طرف خيط يربطها مع الخاطفين او اماكن تواجد المخطوفين. ثانيا: ما يجري الآن عملية انتقام واسعة لا يمكن تقدير رد الفعل الفلسطيني عليها وهو آت لا محالة. ثالثا : ممارسة العقاب الجماعي ضد ابناء الشعب الفلسطيني لا تبرير له وهو اقرب شيء لتصرفات زعران "تدفيع الثمن" ولكن على مستوى الدولة وقواتها الأمنية هذه المرة.

انتقد الاعلام الاسرائيلي الاعلام الغربي لأنه لم يعط لموضوع خطف الشباب اليهود أهمية واسعة في اعلامه. هذه اشارة كان على نتنياهو ان يفهم منها ان بضاعته اصبحت قديمة وربما غير صالحة للتسويق.

آمل ان يكون المخطوفون (اذا خطفوا) بسلام، وان يعودوا الى عائلاتهم بأسرع ما يمكن كما نتمنى عودة اسرى الشعب الفلسطيني الى عائلاتهم. ان التصريحات الاسرائيلية الرسمية حول رفض تبادل الأسرى يشكل موقفا لن يخدم انقاذ حياة المخطوفين ، ولا ارى ان الموقف الاسرائيلي سيخدم الامتناع عن تنفيذ عمليات خطف مستقبلا. الحل لن يكون بحملات اعتقال وملء السجون الاسرائيلية بالمزيد من الفلسطينيين..وعمليات انتقام صبيانية مثل نفيهم (طردهم) الى غزة. نتنياهو يقود اسرائيل وفلسطين الى انفجار أكثر خطورة مما عرفناه حتى اليوم في العلاقات بين الشعبين.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]