اعتبر نفسي من عائلة الباحثين في الثقافة ممن يعولون كثيرا على الثقافة الشعبوية وانعكاساتها ودورها في بناء الوعي الجمعي وليس بالضرورة بناءه إيجابيا ، بل من الممكن كارثيا أيضا كما هو الحال في الحدث المتمثل بعودة "باب الحارة 6" في رمضان 2014، وما يترتب عليه من هذا الحديث، وذلك خلافا للباحثين الذين يعتبرون مكونات الثقافة الشعبوية هي تجهيلية ضمنا وبالتالي يجب عدم إيلائها أية أهمية بل تجاهلها وفي أسوأ الأحوال ممارسة تهكم نخبوي عليها مما يجعلها أكثر شعبية وتزداد نسبة مشاهدتها كرد فعل انتقامي من "المثقفين" على استعلائهم .
تحمل مسألة عودة "باب الحارة 6" في طياتها ترميزات وتداعيات تبدأ ولا تنتهي حتى أنها أحيانا لا تصدق في سياق الحدث السوري المأساوي والمتفاعل أبدا، وخاصة إذا عرفنا أن القرية النموذجية الشامية التي كان المسلسل يصور فيها اقتحمت من قبل مسلحي المعارضة في محاولتهم لمحاصرة مطار دمشق الدولي وأن النظام (كالعادة) قام بقصف القرية وتدميرها. فمن المذهل بمكان أن يستطيع هذا العمل إعادة إنتاج نفسه انطلاقا من سوريا المدمرة وقلب دمشق وهو معقل النظام وذلك بأموال سعودية (مجموعة mbc المعروفة بعدائها للنظام) وإذا لم تكتفوا بهذه التقاطعات الغرائبية فثمة العشرات منها في سياق هذا العمل والحدث السوري بشكل عام، كالعلاقة بين مركز دمشق والغوطة في المسلسل بصفتها الخاصرة الغذائية للمدينة ومنبع مقاومة المحتل بينما يتجلى الصراع الأكبر في المأساة في العلاقة الدموية الانتقامية بين مركز العاصمة والغوطة أو أن هذا ما يبدو من بعيد على الأقل.
تقوم قناة mbc دراما منذ أشهر بعرض كافة أجزاء المسلسل وذلك لإدخالنا في "الصورة" وتجهيزنا نفسيا وروحانيا وهورمونيا لعودته، وقد لاقت هذه الإعادة نجاحا كبيرا وفق مؤشرات بسيطة جدا في الشارع العربي ..أي شارع ممكن أن يمثل عينة، ليتربى جيل جديد كان مقمطا عند العرض الأول على مبادئ الرجولة على طريقة "معتز"..ووجوب الطاعة العمياء للعقيد أو الزعيم..وماذا تعني كلمة "ابن عمي" ..وكيف ستقوم شنبات القباضايات بتحرير فلسطين، وكيف نتملك كبنين أدوات بلاغية نتمكن من خلالها إقصاء البنات عن الحيز العام واللعب معنا في الحارة.
بعد أن شاهدت أجزاء كبيرة من حلقات الإعادة لأفهم ما هو سر باب الحارة، خلصت إلى استنتاج كبير مفاده أن العمل مثير ومشوق ولكنه خطير وسام إلى حد كبير على الصعيد الجندري\الجنساني ويتمثل ذلك في بعض النقاط والتيمات الرئيسية :
الخدعة الكبرى – تعتمد كتابة وإخراج "باب الحارة" على خدعة كبيرة ، أصبحت حقيقة صدقها المشاهد ، مفادها أن المسلسل يعرض الحياة في حارات دمشق الباطنية كما كانت بالضبط في تلك اللحظات التاريخية ويتبع صناع العمل في ذلك مبدأ المصداقية في التناول، ولكن الحقيقة أن الكتابة والتنفيذ لهذا العمل ينطلقان من توجه ايديولوجي واضح وحاد لا يتغير ولم يتغير عبر أجزاء العمل الخمسة وهو يتمثل بتبني وتأصيل فكرة أو مبدأ ملكية الرجل الحصرية للحيز العام وما يقترحه هذا الحيز ، وكذلك مبدأ الطاعة العمياء للرجل\ القائد حتى لو كان غبيا ومخطئا.
النراتيف – خطورة باب الحارة تكمن برأيي بالخلط الواقع بين التوثيق والسرد النيراتيفي لصناع العمل، فالتاريخ وتحديدا في حالتنا هذه تاريخ مدينة دمشق في بدايات القرن العشرين الذي يمكن تناوله بمليون طريقة وطريقة، فالأهم في هذا السياق ليس أن نسرد التاريخ بل كيف نسرده . فالخطير في العمل وإذا اتبعنا النقد الماركسي ل"جماعة فرانكفورت" في البحث الثقافي هو أنه يبعث برسالة دائمة لا تتغير وهي أن الأفضل هو ما أنتم عليه ولا يوجد أفضل منه ، الدكتاتورية والطغيان الأبوي هو الأمان والمرادف للثبات والطمأنينة ، أما الحيز العام فهو ملك حصري للرجل إلى الأبد كما أن "الرجولة" هي صفة جوهرية نولد معها ولا يتم بنائها مجتمعيا ، فإما أن تكون رجلا أي: شهم، كريم، تغار على عرضك ، عنيف، طاغية ، حكيم، متفرد في رأيك، لديك الحق لوحدك بانتاج متعتك...وإما أن تكون "لا رجلا" .
وكأنه شريط بورنو مثلي- يمكن بسهولة تحويل المشاهد بين الرجال في الحيز العام للحارة والحكر عليهم أصلا، عبر الدبلجة إلى مشاهد افتتاحية لأفلام بورنو أو أفلام ايروتيكية مثلية، فإذا كان البيت هو الحيز الذي يتقمص فيه الرجل دور الآمر الناهي على ما يقتضيه الأمر من حزم وصرامة مزيفة، فإن الحيز العام كالسوق والمقهى والحمام (وما أدراك ماذا يحدث في الحمامات) يتحول لفضاء يضج بالهومو-ايروتيكية على ما يحويه ذلك من ايحاءات جنسية ولعب بالشوارب وتدبيل بالعيون، وغزل كلامي وعشق متباد ومتأصل لماهية الرجولة، وذلك بشرط أن يكون الرجل رجلًا حقيقيا بالمعنى الفحولي الحرفي للكلمة، لذا يتم نبذ شخصية كشخصية "أبو بدر " من الحيز الرجولي وتحميله مسؤولية ما حدث ويحدث في الحارة من مكائد ومؤامرات وفتن ونميمة ليس لكونه شريرا بل لكونه " ليس رجلا" بالمعنى الحرفي وهو بذلك يتساوى تراتبيا مع نساء الحارة مثيرات الفتن ، كما تنتفي صفة الرجولة عن شخصيات أخرى مدبرة للمكائد كأبو غالب في الحلقات الأولى والنمس في الحلقات التالية، وتشكل هذه الشخصيات "المخنثة" انتهاكا غير مرغوب فيه لمهرجان التجانس الرجولي في فضاء المكان.
محور الوقت لا يغير شيئا- إذا كان هذا العمل يعكس الواقع التاريخي وتطور الشخصيات عبر مرور الوقت والمجريات التاريخية ضمن هذا الإطار، فلا يعقل الا يتغير شيئا في الأدوار الاجتماعية على مدار أكثر من مئة وخمسين حلقة كما يحدث مثلا في ثلاثية نجيب محفوظ حيث تتداعى ذكورية السيد أحمد عبد الجواد مع تقدم الأحداث وتخترق النساء حيز الحارة مكشوفات الوجه نحو الحداثة ، كما لا يعقل الا تكون في العمل شخصية نسائية واحدة تحمل براعم تمرد تهز ولو قليلا أسس المركزية القضيبية ، باستثناء شخصية "أم جوزيف" التي تم ترميز شخصيتها مسبقا وبشكل محكم بكافة ملامح "الأجنبي " و "الآخر" بجعلها مسيحية لا تنتمي للثقافة المهيمنة ، وهنا لا بد أن نتذكر أننا تربينا على شخصية "فطوم حيص بيص" في مسلسل "صح النوم" الخالد وهو مسلسل بيئة شامية قديم أيضا ، تعمل فيه الشخصية النسائية المحورية مديرة فندق في حارة شعبية تدور في فلكها كافة الشخصيات الرجولية التي تمثل انماطا مختلفة ينحصر نمط رجال "باب الحارة" فيها عبر شخصية أبو عنتر الميثولوجية.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
اتفه واسخف وأحط" مقال" ينشر بهذا الموقع ،الزلمي يدور ويلف ويتفلفس بكلمات غير عربيه وشويه صغيره كان وصف المسلسل بمسلسل سكس رغم انه نوه بذالك ،يا اما لاطع لو سيجارة حشيش او مشروب من نوع سم الهاري .