أحداث اليومين الماضيين ليست مبشرةً بما ستكون عليه الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة عقب اتفاق المصالحة... وبصرف النظر عن مجمل التحليلات السياسية أو التفسيرات للأسباب التي عجّلت في توقيع الاتفاق بشكل نهائي وتشكيل حكومة الوفاق الوطني... فإن كثيراً من القضايا ما زالت معلّقةً وتحمل في طياتها كثيراً من قنابل التفجير.
في خطبة الجمعة قبل الماضية تحدث وزير في الحكومة المقالة بلغة لا تبدو فيها المصالحة وكأنها فعل حقيقي... بل وكأن الأمر قائم على قاعدة التكتيك وليس على قاعدة الإستراتيجية الوطنية الجامعة... لقد قال الوزير السابق إن الحكومة في غزة باقية وإن سلطة حماس باقية وإن ما بنته المقاومة لا يمكن ولا نقبل بهدمه، وما إلى ذلك من شروط أو ملاحظات تبدو فيها المصالحة وكأنها وعاء فارغ من محتواه... وكأن الظروف هي التي أجبرت حركة حماس على قبول هذا الوضع.
إذا ما كان التفكير في المصالحة على قاعدة الرابح أو الخاسر، المهزوم أو المنتصر، القوي أو الضعيف، فإن في الأمر خطورةً بالغةً بل وأكبر مما نتوقع، وإذا اعتبرت المصالحة جسراً للمرور إلى مرحلة أخرى بسبب ظروف استثنائية هنا أو هناك فإن الأمر، أيضاً، خطير.
وإذا ما اعتبرنا، أيضاً، أن المصالحة تعني تحقيق مجموعة من المصالح الحزبية، ومنها كسب أي حجم من الوظائف والترقيات والسيطرة على مراكز صنع القرار في الوزارات والمؤسسات... وغير ذلك من الامتيازات الشخصية أو الحزبية فإن النهاية ستكون مأساوية...
أما إذا ما نظرنا إلى المصالحة من وجهة وطنية جامعة قادرة على إحداث تغيير حقيقي في كل ما حصل واجتثاث السلبيات التي علقت جراء هذا الانقسام فإن الأمور ستسير في مجراها الصحيح.
وإذا ما اعتبرنا أن المصالحة جزء أساس من وحدة وطنية لمواجهة المخاطر التي تعصف بالوطن والأرض ولمواجهة التداعيات السياسية التي تهزّ المنطقة فإن المصالحة هي بشائر خير.
وإذا ما اعتبرنا أن المصالحة هي الطريق الصحيح لمواجهة الاحتلال وإفرازاته العدوانية سواء تمثلت بالاستيطان أو التهجير أو التدمير أو غير ذلك من وسائل العدوان الإسرائيلي فإننا قد حققنا تطلعات جماهيرنا الفلسطينية.
ولكن حتى لا تكون الاتفاقات التي وقعت في مكة أو القاهرة أو الدوحة أو غيرها من العواصم مجرد أطر واسعة غير محددة المعالم... وتفاصيلها مبهمة... لأننا إذ ما تركنا مجالاً للفتاوى والتفسير لبنود هذه الاتفاقات كل حسب مصالحه أو ما يحقق هذه المصالح... فإننا حتماً سنصل إلى لحظة المواجهة المرعبة التي ستعيد الوضع إلى ما كان عليه بل وربما أسوأ مما كان بكثير، فعلى سبيل المثال، ينص اتفاق المصالحة على تشكيل لجنة قانونية لدراسة أوضاع الموظفين الذين تم تعيينهم في قطاع غزة بعد الانقسام... والذين يزيد عددهم على أربعين ألف موظف... من واجب اللجنة دراسة هذه الملفات والوصول إلى نتائج قاطعة... وهذا يحتاج إلى فترة زمنية... ومن غير المعقول أن تقوم الشرطة في غزة بمنع الموظفين من الوصول إلى البنوك أو الصرافات الآلية لقبض رواتبهم بحجة أن رواتب موظفي الحكومة السابقة في غزة لم يتم صرفها؟! ومن غير المعقول في بداية المصالحة ألا تأتمر الشرطة بقرارات وزير الداخلية الدكتور رامي الحمد الله وهو رئيس الوزراء في حكومة الوفاق.
في يوم ما كانت تشتكي حماس من أن الأجهزة لا تنصاع إلى تعليمات وزير الداخلية الحمساوي في حينه، وكانت هذه إحدى حجج الانقلاب، فكيف تقوم اليوم بما كانت ترفضه بالأمس، وتعتبره أحد أسباب الانقلاب.
إن حالة الانقلاب الأمني دائماً تبدأ بخطوة صغيرة تتلوها مجموعة من الخطوات... بمعنى آخر الانقلاب هو ككرة الثلج المتدحرجة... فإن لم يتم تفتيتها من البداية فستكبر إلى حد عدم القدرة على إيقافها.
إذا كانت منهجية المصالحة قائمة على مبدأ القوة الأمنية على الأرض فإن ذلك يعني وصفة للفشل لا يمكن التنبؤ بوقتها إن كانت غداً أم بعد سنة أم بعد عشر سنوات... إذا لم نقم باقتلاع الألغام من حقولنا الوطنية ومن أرضنا في الضفة والقطاع ستبدو عوامل الانفجار بادية في كل لحظة؟!.
[email protected]
أضف تعليق