مجازاً أقول هذا العنوان.. فوزراء حكومة إنهاء الانقسام إذا صحت التوقعات، جاءوا في أصعب لحظات العمل السياسي رغم هشاشة تكوينهم الفكري والسياسي، فهؤلاء ليسوا من أصحاب الأنياب الزرقاء مثل أبناء الأحزاب، الذين لا يعيشون إلا بأزمات متتالية وان غابت يفتعلونها كي يحققوا ضغط دم متوازن لديهم.
الوزراء الجدد في حال لا يحسدون عليه، وأخبار تسلمهم للحقائب الثنائية والثلاثية أمس الثلاثاء أثارت النكات والضحكات في صالات تحرير الصحف والمواقع الإخبارية، فعلى سبيل المثال، كان على وسائل الإعلام أن تتلقى ثلاثة أخبار للوزير المحترم المحامي شوقي العيسة وتدمجها في خبر واحد بتصريحات للعيسة عن خضار وفواكهة المزارعين أولا، وعن جوع الأسرى، وعن حياة كريمة للفقراء ثالثًا، وهنا ربما تأتي الغرائبية التي وجدت طريقها للواقع، في دخول الغذاء في الحقائب الثلاث: غذاء إما مطلوب أو مرفوض أو غير متوفر!.
لا أقول هذا متهكما، فالأستاذ شوقي العيسة ابن مخيم الدهيشة محام محترم ورفيق مخضرم للهموم والعدالات الاجتماعية وقاض دولي شهدت له كل الميادين. ومفكر اجتماعي مشهود له بالمقالات العميقة وهو ابن عائلة مخزونها في الشعر والرواية كبير.
لكن ما يكبس الأنفاس هنا أن العيسة وزملاءه الـ 16 جاءوا في أصعب وأحلك المراحل السياسية، وأمامهم مطبات لا يتوقعها أحد، فهم بانتظار خطاب الرئيس، الذي سيعلن فيه موعد انتخابات ليس معروفًا هل هي عامة أم رئاسية، وغير معروفٍ قانونها؛ هل هو بالنظام النسبي أم بالمختلط، وهل ستحتاج إلى جلسة (صرخات مكتومة) في التشريعي بين فتح وحماس لإقرار الذهاب اليها!
ثم إن الزملاء الجدد في القطاع العام سيأكلون روح الخل تحت ضغط التسعين يوما التي سيحتاجها مرسوم الانتخابات لإنفاذها، فكيف سيدبرون الوقت لدهان غرف الوزارات المهجورة في غزة، وهل ستكون طاقتهم المعنوية كافية لتحمل ساعات نقاش طويلة بين مدراء عامين من حماس ومن فتح في وزارة الصحة أو الاوقاف؟ "ستفرفط" أرواحهم و"تسوف" أمعاؤهم من تقنية الفيديو كونفرنس بين غزة والضفة، وقد يحتاجون إلى حساب إلكتروني مفتوح 24 ساعة على "سكايب" لحمل حقائبهم بشكل سليم دون آلام ظهر مبرحة.
لكن ثمة دهاء ما بعده دهاء في تولية حقيبة الداخلية لرامي الحمد الله، لا أعرف من صمم هذا الصاروخ في المعادلة السياسية الأخيرة، فالشغل الأهم هناك مع أدميرالات العمل الأمني وعقد الجنرالات والعرفاء والملازمين. ربما –والعلم عند الله- أن هذه الحقيبة بالذات لن يحل فيها ولو واجبا منزليا واحدا، وأن مصمم الصاروخ السياسي الأخير له مقاصد غير توحيدية بين أمن الضفة وأمن غزة، وأن الكتب والدفاتر ستظل في هذه الحقيبة مثلما هو الوضع في حقيبة طالب كسول مهمته الوحيدة مسح السبورة فقط.
سأتابع في طريقي إلى الجامعة صديقي الإذاعي إيهاب الجريري وهو يمتع الزملاء الجدد في القطاع العام بالنكشات والمساءلات والمقامات في كل صباح، ويحرمهم من التهاني في الصحف ويعذبهم على كل قرار أو توجه، ليس مناكفة بل بحثا عن مستقبل أفضل معهم رغم الثقوب الكثيرة في الحقائب.
والأمل أن يكون الزملاء من التكنوقراط بسعة صدر أكبر من الزملاء من الأحزاب السياسية، لحرية الرأي والتعبير، حتى لا نشتغل فيهم ويشتغلوا فينا.
[email protected]
أضف تعليق