عندما أسرَحُ بخيالي شبه المشوّش في نهاية يوم متعب بين عالمين؛ عالمي الخارجيّ وعالمي الداخليّ، أحدّق مطوّلا بالغيوم المتلبّدة الموحية بالفراق، بلقاء دمعة وابتسامة، مبطِّنةً أسرار الكون وهمومه، لا أكتب بحبر القلم، بل بالفكر والقلب والذاكرة، أحاول عبثًا توظيف أجمل لغات العالم، لغة الصّمت إيمانًا بأنّها الصّديق الوحيد الذي لا يخون، ويمنحنا الطّاقة للتفكير بعمق، رغم أنّها لم تكن يومًا من الأيام لغتي المحبّذة، وحين تحلّ تلك اللّغة أحيانًا، تتحدّث العبارات، وتنطلق لغة الهمس بسرعة جنونيّة كفوّهات بركانيّة تُصيب الهدف إصابة بالغة وتفجِّر الصّمت المطبق.
يحيِّرني، يخيفني، يقلقني، ويدخلني في صراع وحيرة حقيقيّة، صمتُ مدينتي الحذِر كصمت جوف الأرض وبراكينها، كملامح تلك الفتاة الآتية من عبر القارات وتحديدًا من مدينة الصمت. عندما التقيت بها في إحدى محطّات عالم الضّياع كانت لديّ رغبة شديدة وأكيدة أن أغوص في أعماق أعماقها لأسمع إيقاع موسيقى حياتها الجوفيّة الخارجة عن النّوتة، دون توقّف.
خلف عينيها تخفي أسرارًا في غاية الخطورة، خياليّة، أو شبه جنونيّة. على قسمات وجهها بدت علامات العناء، الغضب، الحزن والمعاناة. خدعتني بنظرة عينيها السّحريّة والمغرية. فتحت جناحي لتدخل فأكون لها برَّ الأمن والأمان، ونهاية مسلسل الآلام والأحزان، أشبه بجزيرة نائية في وسط البحر، لا يصل إليها إلا بعض الطّيور المهاجرة ...
[email protected]
أضف تعليق