ما حدث يوم ال- 20 من أيار 2014 في محكمة الصلح في الناصرة هو سابقة قلّما سجّلها القضاء الإسرائيلي، وما كان ليتم لولا جملة من الأسباب توفرت على مدى سبع سنوات، منذ أن بدأت الملاحقات المؤسساتيّة للجنة التواصل الوطنيّة وحتى تقديم لوائح الاتهام ضد- 14 من رئاستها وكاتب هذه السطور، و-2 آخرين هما شيخان آخران، كان فصلا من صفوفها وشكّلا لجنة خاصّة بهما.
بداية ووضعا للأمور في نصابها:
كتبت وسائل الإعلام المختلفة وأسمعت المسموعة منها الخبر عن القضيّة لدرجة يحسب القاريء نفسه أو السامع، أن الحديث يدور عن قضايا عديدة مختلفة. راح يدلو بدلوه كل من هبّ ودبّ، ويفهم المراسلون كلَّ ما يُدلى به بالشكل الذي يفهمون، فيختلط الحابل بالنابل وهذا ما حدث، لدرجة أن صحفا محترمة وقعت ضحيّة هذا الوضع.
التسوية التي تمت وأخذت صيغة قرار حكم باللغة القانونيّة، هي تسوية تمّ التوافق عليها بين الشيخ موفق طريف والمحامي ماضي ظاهر من قبل المتهمين وشاي نيتسان النائب العام وميريت شتيرن النائبة العامة لمنطقة الشمال، وما حشر اسم هذا النائب أو ذلك أو هذه الشخصيّة أو تلك إلا هراء، صحيح انه لم يبق أحد من مثل هؤلاء لم يتدخّل بطريقته وعلى عاتقه أمام الضغط الشعبي الكاسح، حينما نجحت اللجنة الوطنيّة وضع المحاكمات في إطار محاكمة الحق في التواصل وليس محاكمة أشخاص.
التسوية تمّت على نصّ تمّ الاتفاق عليه في سلسلة لقاءات تشاوريّة بين الشيخ موفق طريف ومستشاره القضائي الاستاذ رائد شنان، ورئاسة لجنة التواصل ومحاميها الاستاذ ماضي ظاهر والنائب السابق سعيد نفاع. وآخرها في الاجتماع المغلق قبل المهرجان الجماهيري في حرفيش. وقد وقّع على النص المتفق مستشار الشيخ القضائي وسعيد نفاع أمام الحضور، وحسبه جرت المفاوضات، التي أفضت إلى التسوية النهائية التي طرحت على المحكمة، وكالآتي:
أولا: تتراجع النيابة عن إدانة المشايخ التي كانت فرضتها المحكمة يوم 18\12\2013.
ثانيا: يلتزم المتهمون بالامتناع عن المخالفات في لائحة الاتهام وذلك حسب البند 72أ و192أ لقانون العقوبات لمدة سنة، وإذا نووا الخروج يتوجهون لطلب ترخيص.
أي كلام إضافي كان من كان قائله، هو تحريض وانتقاص من الانجاز بنيّة سيئة وعن سبق إصرار، أو محض اجتهاد في أضعف الإيمان.
وبين الفقاعات الإعلاميّة والترّهات ...لماذا وكيف تحقق هذا الإنجاز الكبير والهام؟
وراء اللغط وعدم الدقة في طرح الموضوع أزلام مؤسسة يلتقون بطروحاتهم مع نفر قليل خارج عن الموقف الجماعي، راح يشوه الانجاز الذي لم يكن شريكا فيه ولكن استفاد منه "حتى العظم" ووقع عليه، راح يشوهه بفقاعات وترهات إعلاميّة.
أولا: نجحت اللجنة الوطنيّة للتواصل (التي تمثل 14 متهما من أصل 16) بجعل المحاكمة محاكمة للحق العام في التواصل وليس للأشخاص المتهمين.
ثانيا: الشرارة التي اطلقتها، نارا ملتهبة، هي رفض المتهمين ال -14 (عدا اثنين امتثلا)، الامتثال للمحاكمة ( في لغة القانون تحقير للمحكمة)، والاعتصام في مقام النبي شعيب (ع) في حطين يوم 20 حزيران 2012، لتصدر المحكمة اوامر اعتقال ضدهم أثارت موجة من السخط العارم، وانطلقت لجنة من القيادات برئاسة الشيخ موفق طريف أمام هذا الموقف، مطالبة المستشار القضائي للحكومة إغلاق الملفات.
ثالثا: المستشار القضائي ردّ على طلب القيادات بشروط مهينة ومنها أن يعتذر المتهمون على الملأ عن "فعلتهم" ويوجهوا نداء عاما للناس بعدم التواصل إلا بإذن السلطات.
رابعا: رفض المتهمون ال-14 أعضاء اللجنة الوطنية الاقتراح جملة وتفصيلا، مفضلين دفع أي ثمن. فقامت المحكمة بإدانتهم وإدانة الآخرَين في ال18 من كانون أول 2013، وحددت ال-20 من ايار 2014 للبت في العقوبة.
خامسا: قبل ذلك وبعده، عقدت عدة اجتماعات جماهيريّة داعمة كبيرة في البقيعة بمبادرة لجنة المبادرة، وبعد الادانة صعدت اللجنة الوطنيّة معركتها وفي كل الاتجاهات، فانضمت للمسيرة اللجنة المعروفية للدفاع عن الارض بعقد اجتماع جماهيري كبير في الدالية، اطلقت فيه تحذيرات واضحة في الموضوع، وصلت حد الإعلان عن الزيارة يوم انتفاضة.
سادسا: تلا ذلك خيمة الاعتصام في زيارة النبي شعيب (ع) 25\4\2014 مما اضطر رئيس الدولة بيرس لإلغاء زيارته للمعايدة (الكل قيم أن هذه نقطة فارقة)، ووقع أكثر من 5000 شخص على عرائض تطالب إغلاق الملفات ضد المشايخ وكذلك ضد نفاع.
ثامنا: ولاحقا ويوم ال-17 من أيار كان الاجتماع الشامل الكبير في حرفيش.
هذه الهبات الشعبيّة دعما للمشايخ في موقفهم المتصدي والمتحدي، وضعت القيادات الدرزية في امتحان صعب امام موقف كاسح شعبي مطالب بوقف المحاكمات. والمؤسسة من الناحية الثانية وبالذات على خلفية عدم استقبال رئيس الدولة وقفت على (ارجلها الخلفيّة) .
خلال هذه الفترة عقدت عشرات اللقاءات بين القيادات واللجنة الوطنية للتواصل، وتزامنا بين القيادات ومؤسسات الدولة وعلى رأسها النائب العام، اضطرت المؤسسة القبول بصيغة اقترحتها اللجنة الوطنية للتواصل ومحامو المتهمين لإنهاء الموضوع، هي الصيغة التي انتهت بها المحاكمة اليوم وفيها تراجعت المؤسسة عن شروطها، وفي سابقة قضائية ابطلت الإدانة مقابل تعهد من المتهمين إلا يخرجوا لزيارات تواصلية خلال سنة.
حتى الساعة ال12 موعد الجلسة استمرت هذه المعركة القاسية مع النيابة أمام إصرار اللجنة الوطنية للتواصل على تحصيل أحسن نتيجة ممكنة (تحفظ كرامة المشايخ ولا تمس بمشروع التواصل). ساهم في هذا الانجاز:
أولا: مركز عدالة ممثلا بالمحاميين حسن جبارين واورنا كوهن ولاحقا المحامي سليم واكيم ومؤخرا المحاميان فرح حلبي وماضي ظاهر والذي كان للأخير الفضل في تقديم الطلب لإبطال الإدانة، مواقف كل هؤلاء مجتمعة ساهم مساهمة كبرى في النتيجة.
ثانيا: أن وقفة البعض من قيادات أبناء شعبنا والتي صحيح انها اقتصرت في البداية على قيادات جبهوية، ولكن في الفترة الأخيرة انضم كذلك آخرون، ساهمت في الانجاز.
ثالثا: الإعلام وعينيا الفضائيات السورية ومراسها عطا فرحات والميادين ومراسلتها هناء محاميد كان لهم دور هاما في الموضوع، بعض الأعلام المحلي رافق المحاكم وتابعها (نمتنع عن التسمية خوف الوقوع في أخطاء)، ولكن العبري منه والبعض العربي الآخر ( ولا عند قريش خبر)، للمتابعين كان دور هاما في الموضوع.
وأخيرا: ما من شك أن الدور الذي لعبه الشيخ موفق طريف وخصوصا في الاسابيع الأخيرة مدعوما ببعض القيادات الدرزية، أضاف وزنا نوعيا للنتيجة، ولكن المهم وما يجب أن يشار إليه بالبنان:
صمود المتهمين واستعدادهم للمواجهة ومهما كان الثمن، وقدرة اللجنة الوطنية للتواصل برفع القضية للمصاف العام، والوحدة الجارفة التي تجلت (لم يخرج عنها إلا نفر قليل ومتهمَين)، والمواجهة الشجاعة التي اثبتت أن الكف تستطيع أن تلاطم ألف مخرز خصوصا إذا اجتمعت حولها الأكف، تستل الحقوق حتى من أنياب الذئاب.
هذا هو الدرس الأساس من المعركة والذي يجب أن يُستفاد منه في كل قضايانا كأقلية عربيّة في بلادنا تُداس حقوقها صبح مساء.
[email protected]
أضف تعليق