ان ظاهرة الفساد المتفشي في اجهزة الحكومة ومشتقّاتها كالسلطات المحلية والدوائر الرسمية من شأنها ان تمسّ بالإنجازات العامّة للمجتمع وبمعايير العدل والمساواة بين الناس وان تلحق الضرر بالاقتصاد وبشرعية السلطة في اعين المواطنين. تتواجد اسرائيل في المكان الـ36 بمعيار "الشفافية العالمي"

ليس بخافٍ على احد الزخم الهائل لقضايا الفساد على انواعه في اجهزة الدولة ابتداءً من رئيس الحكومة الذي حكم عليه مؤخرا بالسجن الفعلي لـ 6 سنوات والى رئيس الدولة فرئيس الاركان فوزير المالية والراب الرئيسي وحتى آخر الموظفين في المكاتب الحكومية, ولكنني لن اتطرّق في مقالتي هذه لهذا المستوى من الفساد خشيةً ان يتذمّر رئيس التحرير من عدم وجود مساحة كافية لاحتوائها.

قبل نغوصَ في سرد وقائع الفساد السلطوي وهي كثيرة, دعونا نعرّف ما هو "الفساد السلطوي"؟ الفساد السلطوي هو استغلال منصب السلطة الذي يشغلهُ احد الافراد من اجل الحصول على فوائد وامتيازات شخصيّه او فئويّة غير قانونية. اما عن الاضرار التي تلحقها اعمال الفساد فحدّث بلا حرج, وهي تزيد وقعا كلما شغل مرتكبوها مناصب رفيعة المستوى, فالفساد يهدر مصادر المؤسسة ويمسّ بانجازاتها ويلحق الضرر بمعايير العدل والفرص المتكافئة وبالاقتصاد وبشرعية السلطة في اعين المواطنين. فما معنى ان يقوم موظفو السلطة بتغيير شروط العطاء ليتسنّى لمتعهّدٍ من "المقربين" ان يفوز به؟! او ان يقومون بعقد صفقات مُسبقة مع ناشطين حزبيين تضمن "تعيينات مقابل تأييد"؟ ما الذي يُمكن ان يحلُّ في البلد إثر تلك الانحيازات غير النزيهة؟!.

هنالك ازدياد ملحوظ ايضا بعدد القضايا والاحكام التي صدرت ضد رؤساء ومنتخبين وموظفين كبار في السلطات المحلية من بينهم ايلي مويال رئيس بلدية سديروت الاسبق الذي صرّح في لقاء اذاعي بانه مغتبط جدا لان التهمة الوحيدة التي اثبتت عليه هي "خرق الثقة" و "ادارة غير قانونية للامور المالية" فقط !!!. هنالك ايضا رئيس بلدية اشكلون روني مصري السابق المشتبه به بتوزيع وعود على مقرّبين بتعيينهم مقابل منحهم وظائف بلدية, ورئيس بلدية الخضيرة الذي أُرسل للسجن الفعلي لمدة ثمانية اشهر بتهمة تعيينات تخصّ اعضاء البلديّة لتقوية الائتلاف. من الرؤساء التي فُتحت لهم مؤخراً ملفّات او ادينو فعليا هم رئيس بلدية نهريا ورئيس بلدية صفد الاسبق ورئيس بلدية كريات شمونة وبلدية طبريا ومدير عام بلدية حيفا ونتسيرت عيليت وغيرهم.

من الجدير ذكره ان مستوى الفساد السلطوي يختلف من قُطرٍ الى قطر ومن مجتمع الى مجتمع ولا شكّ ان هنالك ظروف بيئية- اجتماعية-سياسية-اقتصادية تُتيح للفساد بان يتجذّر ويترعرع وفي هذا الصدد تقع "دولتنا العتيّه" في موقعٍ لا تُحسد عليه. فهي مُدرجة اليوم في المكان الـ36 وبعلامة 61 من قبل منظمة "الشفافية العالمية" (International Transparency) التي تواكب ظواهر الفساد في العالم. وهذا التدريج يعتبر منخفضا وياتي بعد التدريج التي حصلت عليه الدول الغربية والكثير من دول العالم الثالث والمُقلق بالامر التراجع الذي حصل في هذا المؤشّر ففي سنة 2006 أُدرجت اسرائيل في المكان الـ34 وفي سنة 2005 ادرجت في المكان الـ26 مّما يشير الى التقهقر الذي حصل بقدرتها على ايقاف انتشار ظاهرة الفساد.

من الاسباب التي تؤدي الى فساد السلطة والجهاز الاداري المرتبط بها يمكن ان نحصى انعدام الشفافية في العمل وانحصار عملية اتخاذ القرار بايدي مجموعة صغيرة من افراد الجهاز السلطوي. اضف الى ذلك استفحال البيروقراطية في المعاملات مما يؤدي الى زيادة الضغوطات وعرض الاغراءات على المسؤولين كالرشاوي وغيرها لتسهيل طلباتهم وتقصير مدة انتظارهم والتغاضي عن عدم استيفائها للشروط المطلوبة. هنالك ايضا عامل الانتماءات الفئوية كالعائلية والطائفية والحزبية الذي يؤدي الى تحيز المسؤول الى فئته ومجموعته. واذا تحدّثنا عن الفساد السائد في المراتب الادارية المتوسطة فقد يكون الاجر المنخفض الذين يتقاضاه من يُشغلون تلك المناصب هو احد المسبّبات لانزلاقهم بتلقي الرشاوي من الناس.

هنالك امور اخرى تؤثّر على استشراس الفساد كتفشّي الفوضى الادارية وتواجد الثغرات القانونية التي تتيح لموظفي السلطة التلاعب في الاجراءات والمعايير, وهنالك ايضا سبب آخر وهو انعدام الاجراءات والاوامر المُلزمة وغياب جهاز مراقبة فعّال ومرهوب الجانب وضعف حدة العقوبات التي ينالها "الفاسدون" من الجهاز القضائي حيث تنتهي الشكاوي بأغلبية الاحيان بإداء مهام خدماتية لمدة سنه او اقل احيانا. ان مستوى التغطية الصحفية التي تقوم بها وسائل الاعلام لقضايا الفساد في الجهاز السلطوي هو ايضا عامل رادع للذين "يفكرون بالموضوع".

ينتشر الفساد ايضا في الدول الدكتاتورية التي تضطهد شعوبها وتخلو مؤسساتها من الشفافية وتتفاقم بها المحسوبيات وكذلك الامر بالنسبة للدول الاستعماريه والكولونياليه. من الجدير ذكره ان التفرّد بالسلطة وايداعها بيد شخص واحد او فئة معيّنة يُضاعف من امكانية الفساد. على فكرة- هذا ما حصل لمكانة رئيس السلطة المحلية فمنذ ان تقرّر انتخابه بشكل مباشر واعطائه صلاحيات تكاد تفوق الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الوزراء زادت حالات الفساد في السلطات المحلية. اما السبب الاخير للفساد فيتعلّق بالشخص نفسه وبالقيم الاخلاقية التي جاء بها من بيته وبيئته الى مكان عمله. الامر المقلق فعلاً ان تتحوّل ظاهرة الفساد الى عادة مألوفة بعض الشيء يوقِعها بعض الاشخاص ويتفهّمها آخرون لكنها في الحقيقة هي جريمة نكراء تخصُّ عالم الاجرام المنظّم ومن شأنها ان تمسّ بكل فردٍ منا فحذار من عدم اخذ الموضوع بالجدّية المطلوبة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]