لا يجتمع في العالم الواقعيّ في إنسان واحد الرّاعي والخراف . ولكن معنويًّا وروحانيًّا يجتمع الأضداد ويتّحد المتناقضان فالمسيح هو في نفس الوقت الراعي الصالح و"باب الخراف" والحَمَل الرافع خطايا البشر والشاة التي سيقت إلى الذبح من غير أن يفتح فاه. وفي القراءة الأولى "يرفع القدّيس بطرس صوته" بعد أن كان قد خفض رأسه وكتم أنفاسه في أثناء آلام المسيح وبعد دفن المعلّم بأيّام . ها إنّ أمير الرّسل ينطلق ولا أحد يخيفه ، بخلاف سالف عهده إذ أرهبته جارية وجعلت فرائصه ترتعد! يعلن البابا الأوّل: "يسوع هذا الّذي صلبتموه أنتم..." ، الضّمير المنفصل "أنتم" يشدّد على الفاعل ويؤكّد على المحرّك أي الشعب العبريّ عامّة و"أرسطوقراطيّة الهيكل" بشكل خصوصيّ. فلا يقولنّ بعد قائل – لا مسيحيّ غير كاثوليكيّ ولا مسلم – أنّ "الفاتيكان برّأ اليهود من دم المسيح"! وإذ يعود الاعتراض أو ترجع الشّائعة – عنيدة تصمّ آذانها وتعصّب عينيها – يضطرّ المرء – خصوصًا عشيّة زيارة قداسة البابا فرنيس الأول للأردنّ وفلسطين في أيّار مايو الجاري- يضطرّ إلى الاستشهاد بوثيقة المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني "في عصرنا الحاضر" رقم 4 : "ذوو السّلطان من اليهود ومشايعوهم هم الّذين دفعوا إلى قتل المسيح" وطبعًا "لا يمكن إسناد (ما اقترفته الأيدي) إلى كلّ اليهود من غير تمييز".
وعاد قداسة البابا بندكتوس السادس عشر الكبير ليؤكّد بشكل لا يقبل الشّكّ وبالدليل والبرهان أنّ "أرسطوقراطيّة الهيكل" هي هي الّتي قتلت السيّد المسيح. وكان قوم موسى يتمنّون ، أمل إبليس في الجنّة ، أن يرضخ البابا "الألمانيّ" لضغوطهم بذريعة أنّ مواطنه هتلر أهلك نفرًا من العبرانيّين كثيرًا فينسب إلى الرومان صلب المسيح.
وما فرح العبرانيّون بنصّ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني – الذي استاء منه خلق كثير من غير أن يطالعوه. ما سُرّ معشر اليهود لأنّ نصّ المجمع قضى على "سياسة الحَمَل الذّبيح" التي سلكوها مدّة عشرين قرنًا من الزّمان إذ ظلّوا يشكون ويبكون وينوحون ويولولون ويغطّون كلّ مساوئهم وكلّ ظلمهم – ولا سيّما في فلسطين – متذرّعين أنّ "النصرانيين يتّهموننا نحن يهود اليوم بقتل مسيحهم فنحن ضحايا النصرانيين!" كما كانوا يردّدون قبل حرب الأيام السّتّة أن "العرب يريدون أن يرمونا إلى البحر" وكما يعيدون اليوم إسطوانة مشروخة هي "الإرهاب الفلسطينيّ" والعربيّ أو يتذرّعون بإيران!
وإذا غفل حتّى الآن شعبنا الحبيب العربيّ وبالذّات المسيحيّ، فيسهل عليه –وهذا أملنا- أن يدرك "السياسة" العبريّة التي –كما قال السيّد له المجد– يتزيّا "فيها الذئب بثياب الحَمَل" وينصب المناحات ليخفي ما يقترف من مظالم وسيّئات. ومع الأسف نجد هذه "السّياسة" في كتب التاريخ المدرسيّ في الوطن العربيّ حيث "تُفضح مظالم عصور الظلمة" أي القرون الوسطى، وهكذا يُشغل الطالب ب"جرائم" أوروبيين كاثوليك ويتمّ إغفال كامل للمظالم والمآسي والمجازر التي راح مسيحيو الشرق الأوسط ضحايا لها حتّى نهاية الحكم العثمانيّ سنة 1918.
مسيحيّون مصلوبون في سوريا
لا يريد المرء هنا أن يتّهم أحدًا ولا أن يحلّل أحداثًا مؤسفة فظيعة شنيعة. ولكن مهما كان من أمر وأيًّا كان الواقف وراء الصّلب المروّع لشبّان مسيحيّين في معلولا والرّقّة وسواهما – أبكى البابا فرنسيس وكلّ أولي الألباب – سواء كان المجرّك أمريكيًّا عبرانيًّا أو فرنسيًّا بريطانيًّا "ماسونيًّا" عدوًّا للمسيح والكنيسة، فإنّ الجلاّدين – أيّة كانت هويّتهم وانتماؤهم – يجعلون المسيحيّين يتشبّهون بالمسيح ويعملون بكلمات رسول الأمم الإناء المختار بولس : "صُلبتُ مع المسيح ، لا ، لستُ أنا الحيّ بل المسيح هو الحيّ فيّ" ،"لأنني بالشّريعة (أي شريعة المحبّة) مُتُّ عن الشّريعة (محبّة الشّريعة)... وإن كنتُ أحيا الآن حياة بشريّة - فإنّي أحياها بالإيمان بابن الله (أي بكلمة الله) الّذي أحبّني وجاد بنفسه من أجلي" (غلاطية 2 : 19-20).
خاتمة
"الراعي الصالح يبذل نفسه في سبيل الخراف". ومؤخّرًا أكثر من أيّ وقت مضى – كما يعلن البابا فرنسيس – هنالك خراف كثيرة للمسيح تضحّي بحياتها وتُذبَح من أجله ومن أجل هداية "العالم".وأحيانًا "يظنّ الّذي يقتل المسيحيين أنه يقرّب لله قربانًا" أو يؤدّي عبادة (عن يوحنّا 16 :2).
"فليكن يا عذراء موت ابنك حياة لطالبيها" و "دم الشهداء بذور المسيحيين" في سبيل "الحياة والحياة الوافرة" (يوحنا 10 : 10).
[email protected]
أضف تعليق