ضياع فلسطين، وتدمير قراها ومدنها التاريخية، وسرقة أرضها وحدودها، كان الهدف الرئيس الذي وضعه الصهاينة منذ مؤتمرهم الصهيوني المشؤوم في مدينة بازل السويسرية عام 1897م، هذا المؤتمر الذي رسم خلاله القادة الصهاينة ملامح وطن مسروق من أهله الأصليين وملامح أرض ومدن وعلم رسموا عليه خارطة وطن خيالي كبير من النيل إلى الفرات؛ قام هذا الوطن على دماء الفلسطينيين، وعلى القتل والتشريد والإرهاب؛ ومنذ ذاك المؤتمر و القادة الصهاينة يضعون الخطط الخبيثة لسرقة أرض فلسطين لتكون " دولة يهودية "؛ أما سكان أرض فلسطين الأصليين فقد وضع الصهاينة خططًا شرسة لقتلهم، وتشريدهم من مدنهم وقراهم بقوة السلاح، وقد صرح الزعيم الصهيوني (ثيودور هرتسل) في يومياته أن الصهاينة خططوا من المؤتمر الأول لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين بعد (50 عامًا)، ووضعوا على رأس الأهداف والخطط سرقة الأراضي، وتكثيف الهجرة الصهيونية، وإقامة (الكابيتوسات) اليهودية والمستوطنات، لتكون (بيتح تيكفا) بمعنى (فاتحة الأمل) أول مستوطنة صهيونية يهودية تقام قبل مؤتمر بازل على أرض فلسطين في 1878م على أراضي قرية الملبس الفلسطينية قضاء يافا.
الذاكرة الفلسطينية والتاريخ العالمي سجل نكبة فلسطين لحظة بلحظة، سجل التاريخ سرقه الصهاينة لأرضنا المباركة من خلال قيامهم بتدمير قرابة (531) قرية ومدينة و11 حيًّا، وقتلهم أكثر من 15 ألف فلسطيني خلال مجازر طالت شعب فلسطين, والتي بدأت حسب الخطة الصهيونية الرابعة (دالت) في العاشر من مارس عام 1948م.
لقد بدأ قادة الصهيونية يخططون لسرقة أرض فلسطين، وطرد أهلها، منذ عام 1937م، حيث أوعز قائد الحركة الصهيونية آنذاك (ديفيد بن غوريون) -الذي ولد في بولندا عام 1886م وجاء مهاجرًا إلى أرض فلسطين في 1906م- إلى قائد منظمة الهاغاناة الإجرامية (اليمليخ أفنيير) في (تل الربيع) عام 1937م بإعداد خطة لمواجهة عمليات الاستيلاء والسيطرة على أرض فلسطين بعد خروج الاحتلال البريطاني منها، وأطلق على هذه الخطة (أ)، أما الخطة الثانية (ب) فقد تم إعدادها في عام 1946م، كما قام قادة الحركة الصهيونية بإجراء تعديل على الخطتين الأولى والثانية ودمجهم في الخطة الثالثة(ج) وهي ترتكز على: قتل القادة السياسيين الفلسطينيين، قتل المحرضين الفلسطينيين الذين يقدمون دعمًا ماليًا لشعب فلسطين، قتل الضباط والموظفين الفلسطينيين الكبار، إلحاق الضرر بحركة النقل الفلسطينية، إلحاق الضرر الكبير بمصادر العيش الفلسطينية، تدمير آبار المياه، ومهاجمة القرى الفلسطينية المجاورة، مهاجمة النوادي والمقاهي وأماكن تجمع الفلسطينيين، ثم قام الصهاينة بوضع الخطة الرابعة والشهيرة بـــ اسم ( خطة دالت) لبدء تنفيذ عمليات قتل الفلسطينيين وذبحهم وتهجيرهم من أرضهم وقد بدأ تنفيذ الخطة في العاشر من مارس عام 1948م، وكما رسم الصهاينة خططًا لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين، وكانت هناك طرق أمامهم للهروب وترك منازلهم التي تم تدميرها وسرقتها، كما سرق اليهود خلال النكبة آلاف المخطوطات والوثائق التاريخية الفلسطينية، وسرقوا أرواق وسجلات الطابو الفلسطينية وحتى مفاتيح المنازل سرقوها، فضلاً عن مآسي القتل وجمع الفلسطينيين وتكبيلهم وإطلاق الرصاص عليهم.
وقد أشرف على خطط القتل الجماعي والتهجير المنظمات الصهيونية المجرمة (الهاغاناة) وهي تعني الدفاع, وتأسست عام 1921م، ومنظمة (الأرجون) التي انشقت عن (الهاغاناة)، ومنظمة (الشتيرون) التي أسست بعد عام 1940م حيث قام اليهودي (ابراهام شتيرن) بتأسيسها، وكانت من أكثر المنظمات الصهيونية شراسة وإجرامًا.
ولم يُخف عن بال قادة الحركة الصهيونية النضال ضد ما يسمى (الانتداب البريطاني)، فقد تم وضع الخطط القتالية في عامي 1946م و 1947م لمهاجمة القوات الإنجليزية ومقارها، وتدمير مراكزهم وأماكن وجودهم، وتدمير السكة الحديدية، وتنفيذ هجمات ضد مصانع السلاح البريطانية، فيما أعلن البريطانيون نيتهم مغادرة أرض فلسطين في شباط/ فبراير عام 1947م وقاموا بتسليم مصانع السلاح والذخيرة كاملة للصهاينة اليهود، وتسليم المقار والسجون البريطانية لاستخدامها ضد الشعب الفلسطيني، والتاريخ الفلسطيني سجل ذلك، والذاكرة الشفوية لا تنسى نكبة فلسطين، ولا تنسى فضل (بريطانيا) على اليهود ومساعدتهم في سرقة أرض فلسطين والتأسيس للوطن القومي لليهود على أرضنا المباركة.
ولقد مثل (البيت الأحمر) ركنًا مهمًا لقادة الحركة الصهيونية عندما اجتمع 11 زعيمًا صهيونيًا في هذا البيت الذي يقع في مدينة تل الربيع (تل أبيب) وأعلنوا في العاشر من مارس/ آذار عام 1948م تنفيذ الخطة الصهيونية (دالت) التي تقضي بتدمير القرى والمدن الفلسطينية وحرقها وسرقتها، وقتل الفلسطينيين فيها؛ ولهذا البيت مكانته الخاصة عند زعماء الحركة الصهيونية، وله ذكريات دموية في حياتهم، فقد كان مقر قيادة منظمة (الهاغاناة)، ويعد من أفضل نماذج البناء في المدينة الصهيونية (تل أبيب) في أعوامها الأولى، وكان مصدر فخر للبنائيين والحرفيين الذين عملوا في بنائه في العشرينيات من القرن الماضي، وقد جرى تصميم البيت الأحمر ليكون المقر الرئيس لمجلس العمال المحليين، وظل هكذا إلى أن أصبح في أواخر سنة 1947 مقر قيادة (الهاغاناة)، كان على مسافة قريبة من البحر في شارع (اليركون)، في الجزء الشمالي من (تل أبيب)، وشكل إضافة بديعة إلى المدينة الصهيونية الأولى (تل أبيب)، التي أقيمت على ساحل البحر الأبيض المتوسط, ويطلق عليها الصهاينة "المدينة البيضاء" لبياض مبانيها في تلك الأيام؛ لقد كان (البيت الأحمر) على شكل مستطيل بسيط، ازدانت واجهته الأمامية بأقواس شكلت إطاراً للمدخل، وسندت شرفات الطبقتين العلويتين؛ أمّا صفة (الأحمر) فقد كانت مستوحاة من ارتباطه بالحركة العمالية، أو إمّا من الصبغة الحمراء الوردية التي كانت تلونه وقت غروب الشمس. ولكن التفسير الأول أكثر قربًا.
ذكرى نكبة أرض فلسطين وشعبها أليمة على قلوبنا وراسخة في عقولنا وذاكرتنا النضالية؛ ولكن الأكثر آلامًا وإيلامًا على قلوب الفلسطينيين يتمثل في ظلم المجتمع الدولي للشعب فلسطين، وتنصله من الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، والانشغال الدولي في البحث عن مخرج لقضية اللاجئين الفلسطينيين التي أصبحت تؤرق المجتمع الدولي، وذلك لنيل رضا الصهاينة اليهود على المجتمع الدولي الظالم وتنفيذ ما يصبون إليه.
إلى الملتقى ،،
[email protected]
أضف تعليق