يُراودني الشك كثيراً بان فنجان القهوة العربية الذي يُكرم به العربي ضيفه، كان السببب المباشر بضياع الامة العربية اولاً ومن ثم وقوع نكبة فلسطين لاحقاً، ويكاد يحلق بي التفكير الى الماضي البعيد لتعود بي الذاكرة الى لقاء لورانس العرب مع "الشريف حسين"، والذي نتج عنه مخطط الدمار والذل والعار للوطن العربي، وما يسمى بمخطط سايكس-بيكو، وتبعه لقاءات نجله امير امارة شرقي الاردن عبدالله مع "غولدا مئير" تمهيداً للتفريط بارض فلسطين.
وقد يسأل البعض متعجباً ما علاقة فنجان القهوة بالمصائب المصيرية التي حلّت بالمنطقة؟!! ولمن لا يعلم فان من عادات العرب بالبادية كان تقديم الفنجـان الأول من القهوة للضيف وهو من اساسيات واجب الضيافـة العربية، وكان الضيف، قديما، مجـبراً على شربه إلا في حالـة العداوة أو أن يكون للضيف طلب صعب وقوي عند المضيف فكان لا يشربه إلا بعد وعـد من مضيفه بتلبية طلبه، وبما ان عدم شربه كان يعتبر من عظائم الأمـور، كان المضيف مجـبراً على التلبيـة وإلا لحق به العـار بين قبائل العرب..وهنا اتخيل الضابط البريطاني لورانس جالساً القرفصاء في حضرة "الشريف"، وفي جيبه وعد بلفور، ويرفض احتساء فنجان القهوة حتى تلبية طلبه الخفي اي مساعدة المستعمر الانكليزي والفرنسي ضد الدولة العثمانية الاسلامية. هذه الخديعة والاستجابة لها أدت الى تفتيت وتقسيم العالم العربي وفق مخطط سايكس بيكو لاحقاً.
ولم تتوقف هذه المهزلة عند هذا الحد بل استمرت مهزلة فنجان القهوة لتلتقي فيما بعد غولده مئير بنجل "الشريف" عبدالله وليتكرر السيناريو ذاته، وترفض ايضاً شرب القهوة حتى تلبية طلبها، وكما فعل والده من قبله فتلحق بعبد الله النخوة والشهامة العربية، ويساعد على تأسيس دولة اسرائيل، ولاحقاً يقوم بتسليمها منطقة المثلث "هدية ما من ورائها جزية" وكما يبدو مقابل فنجان آخر من القهوة.
ولم تنته "شهامة" الشريف وابنه هنا فقط بل استمرت استجابة وتطبيقاً لنوع آخر من فنجـان القهوة الذي تعارف عليه عرب في البادية و الفنجان الذي يقدم، ولكن غالبـاً ما يتركـه الضيف ولا يحتسـيه لأنه أقـوى فنجـان قهـوة لدى عرب البادية.. إذا أنّ شربه يعـني أنّه مع المضيف في السـراء والضـراء، وعليه الالتزام بالدفـاع عنه، وشريكه في الحـرب والسلم، يعادي من يعاديه ويتحالف مع من يحالفه، حتى وإن كان من بين حلفائه من هم أعداء له في الأصل أي أعداء للضيف، وقد كان هذا الفنجـان عبارة عن عقد تحـالف عسكري ومدني وميثاق أمني مابين الضيف والمضيف ومن هنا ينبع التحالف الغير معلن ما بين الاردن ودول الخليج مع اسرائيل نتيجة تحالفهم مع امريكيا.
وهذا النوع من فناجين القهوة كان اشدها خطراً ويحمل النـاس أموراً صعبة المراس، ويواجهون الموت والدمـار بسببه، فلذلك كانوا يتحاشـونه ويحذرون منه أشـد الحذر، ورغم هذه الخطورة الآ ان "الشريف" ونجله استجابوا لطلب ضيوفهم الذين حرصوا فيما بعد على اعلان استقلال صوري لهذه المحميات البشرية والكثبان الرملية وتحويلها لدول وامارات وممالك، والعمل على استنساخ ذئاب على هيئة بشر وتنصيبها قيادات هشّة عميلة كآل سعود وآل صباح وآل حمد وآل خليفة وغيرهم من زعامات التخاذل العربي العميلة والبارعة بدك حريات شعوبها وافتتاح السجون ،وتسليط سيوفه على رقاب شعوبها، تستعبدهم وتنهب ثرواتهم وتزهق ارواحهم، وتتنازل عن حقوقهم وكراماتهم وان لم تستحي هذه الزعامات بالتفريط باقصاهم فكيف لا تفرط بارضهم ومواردهم وارواحهم..؟!!!
وان كانت الاجيال القادمة عازمة على استرداد كرامة الامة الضائعة فيتوجب عليها تجنب تضييف "ضيوفها" فنجان القهوة العربية ...
[email protected]
أضف تعليق