قول الله تعالى: (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا)

بعد أن أثنى الله تعالى على طائفة من المؤمنين خصّهم بصفات مميّزة في أواخر سورة الفرقان فابتدأ في ذكر صفاتهم بقوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سَلامًا) ثم ذكر تعالى بعد ذلك صفات عدّة لهذه الفئة المؤمنة تتميّز بهم وتزيدهم إيمانًا وهدى وتقوى ، جاء بعدها بالصفات المُنتفية عنهم كالإسراف والتقتير وعدم الاقتصاد في الانفاق، فلم يجعلوا حياتهم نموذجًا للقصد والاعتدال والتي (هذه الصفة) تجعل المسلم يعيش خللًا اجتماعيًا تُحدِثُ له الآفات والأزمات سواء أكان ذلك في الإسراف بكثرة الانفاق من غير دراية أو التقتير الذي هو البخل والشّح في الانفاق .

ونفى عن تلك الفئة المؤمنة الإشراك بالله ، فهم يوحدون الله تعالى بالألوهية والربوبية لا يشركون به شيئًا ولا يقتلون النفس ليجعلوا الحياة الاجتماعية آمنة مطمئنة والتي حرّم الله قتلها ، لئلا يعيش الناس في حياة الغابة وقانونها يَقوى القوي فيها على الضعيف فيعتدي على حرمته بالأذيّة والقتل ، ولا يزنون فتتلوث الحياة النقيّة والنظيفة بدرناتٍ من هبوط الخُلق والسّعار والتي لا تليق بحياة ومجتمع مسلم يرضاه الله تعالى ورسوله .

ثمّ جاء بعد ذلك الجزاء لمن قام بهذه الشذرات الخُلقية الهابطة بالعذاب يوم القيامة ليعيش مهانًا في تلك الحياة الآخرة ، ليحضر بعده الاستثناء المتصل الذي يُفرح العباد إذا ما وقعوا في هذه الأخطاء ليقول الله تعالى لهم (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) فمن تاب إلى الله من خطئه ثم عمل صالحًا فسيجد الله غفورًا رحيمًا ليبدّل الله سيئاته حسنات برحمةٍ منه ومغفرة .
فالقُرآنُ يا أهلَ القُرآن قد أكثرَ من الحثّ في ذكره لآيات التوبة في القرآن الكريم، فالله تعالى يقول في سورة الزّمر (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) وفي موضع آخر يُذكّر المؤمنين بالرجوع الى الله تعالى إذا ما فعلوا ذنبًا أو فاحشة (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ويقول في سورة النّساء (وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً)

وهذا الحبيب المصطفى الذي قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر يعلّم المسلمين أنّ التوبة لا تقتصر على من يعصي الله فقط بل هي أيضًا لعباد الله الذين يعبدونه ويطيعونه فنراهُ يقول في الحديث الذي رواه البخاري "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" ، هذا رسول الله .. فكيف بنا ونحن عباد نصيب ونخطئ يوميًا ألا يجدر بنا أن نتوب الى الله تعالى ونستغفره كل وقت وحين .
وقد أورد الإمام البخاري في صحيحه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- : "لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتوبةِ عَبدهِ المؤمن مَنْ رجلٍ نزلَ في أرض دَوِّيَّةٍ مُهلِكَةٍ، معه راحلتُهُ فَطلبها، حتى إذا اشتدَّ عليه الحرُّ والعطشُ أو ما شاءَ اللّه، قال: أرْجِعُ إلى مكاني الذي كُنْتُ فيهِ فأنامُ حتى أموتَ فوضعَ رأسهُ على ساعدِهِ ليمُوتَ فاستيقظَ، فإذا راحلتُهُ عندهُ، عليها زادُهُ وشَرابُهُ، ثم قال من شِدَّة الفرح: اللهم أنت عَبْدي وأنا ربكَ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: فاللّهُ أَشدُّ فَرحا بتوبةِ العبد المؤمنِ من هذا بِراحلتهِ وزادِهِ"

فلنبادر جميعًا بالتوبة الى الله ساعةً فساعة ويومًا بيوم حتى نرجع الى الله تعالى بقلب نقيّ أبيض لا دَرنَ فيه ولا دَغل ، نريدُ بتوبتنا لذّة القُرب والمُناجاة إذا ما ذاق القلب مَرارة البُعد والجفاء ليرتاح القلب وينشرح الصدر حين يعاني من حياة مُلئت بفتن الأرض في كلّ حَدَب وصَوب .
ولأهمية هذا الموضوع فإن عمل المربين في المراكز القرآنية في مؤسسة حراء قائم على بث روح التربية وبث هذا المبدأ العظيم في نفوس الأجيال من خلال البرامج والمناهج لمختلف الأجيال, صغارًا وكبارًا, ذكورًا وإناثًا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]