حدّثَنا عبد الصّبور بن عبد الغفور عن ختيار لم يتغرّب ،ولم يَمُتْ كلّ اْجياله ،بل بعضهم ،فقال :
نشاْ آل صبرة في بلدة اْمّ الخير جارة حبرة ،بعيداً عن الرّفاهيّة والكماليّات ،إلاّ اْنّ الحالة مستورة والحمد لله، خلايا وكواير القمح في موسم الحصيدة تكون جاهزة لاستقبال الغِلّة الجديدة ،خوابي الزّيت هي مونة البيت ،قمح وزيت سبعين في البيت ،اْو تسوكرت مونة البيت !،الصّابون اليدوي ،من صنع ربّة البيت ،مُكَدّس على الرّفوف ،مُطَعّم بزيت الغار واْوراقه الخضراء ،زُكرة اللبنة يصعب على رافع الاْثقال اْن يشيلها لوحده ،إن صحِّلَّكْ لبنة ظرف اغرف منها غرف !
اْربع –خمس مرطبانات من الموسم العتيق لساعات الضّيق ،اْربع خمس قلايد فلفل اْحمر معلّقة ،بعض مرطبانات القورمة لضيف الغفلة ،عشرين دجاجة بيّاضة مع ديكين بلديّين يزهوان ويتنافسان ،ديوك شَرَوِيّة ،تفرح بِعزا بعضها!،بُرج حمام في صحن الدّار ،قطشة ماعز لغفلات الزّمان ،بقرة حلوب للسّمنة البلديّة ،فدّان بقر يتمنّى كل فلاّح ان يمتلك مثله ،قُجّة متواضعة احتياطيّة ،ما مْنعرف شو مْخبّيلنا الغيب ،الخميرة لم ولن تُقطَع من البيت ،حبوب :الحمّص ،الفول ،العدس ،الفاصوليا ،كيس كِشك مع حوايجو ...
اْطيب واْشهى اْكلة في الشّتويّة ،برَكَة الله ،مِن خير الله ،منصب حديدي يتوسّط الموقدة وعليه إبريق زوفا لحين الطّلب ، بيشدّ الظّهر ،ربّ الاْسرة رحل مبكّراً إثر مرض عضال،ربّة البيت اْمسكتْ بزمام الاْمور بحزم وعزم ،اْسرة مباركة الاْولاد ،طُعمة الله ،عيون بعض الحاسدين والطّامعين تترصّد وتتعقّب ،لعلّها تنهش وتقتطع قسيمة هنا ،واْخرى هناك ،كالذّئاب الكاسرة ،لا حدّ للجشع والطّمع عندها ، إلاّ ان اْولاد الحلال لن يُعدموا ولم يتخاذلوا ،رُبّ اْخ لم تلده اْمّكَ ! والدة من عالَم آخر ،تربط فدّان البقر مع طلوع الفجر ،ترمي بِذار مِدٍ من القمح وتحرث ،الى جانبها ابنها وبناتها ،كلّ مع منكوشه لزرع كلّ نقّارة واْخرى،دون اْن يديروا الحَمْرَة ع َ البورة ،ويْخَلّوا الدّعوة مستورة ،عين الوالدة ثاقبة ومعاتبة ،اذا حدث توانٍ ما ،قوم يا عبدي تاْقوم معك ! نام يا عبدي ما بنفعك !رافق المسعد تِسْعد!
ساْلوا عبد الصّبور ذات مرّة ،بكثير من الفضول والتّطفّل : ما هو محلّك من الإعراب في المجتمع ؟
- تجاهل وتجاهل ، إلاّ اْنّه قال لهم بعد إلحاح منهم ،وعلى طريقة غوّار الطوشة :انا نكرة لا شيئ ! انا المواطن الاْعزل !
-ولكنّك تصول وتجول عبر الاْصول !
-انا ممنوع من الصّرف ،لا اْقبل الجرّ والتّنوين ،منتصب القامة ،مرفوع الهامة ،لستُ على ندامة !
-بالله عليك َ اْفصِحْ ووضّح !
-انا على درب سلامة موسى وزميله المقدسي :خليل السّكاكيني :إنسان إن شاء الله !
-كلّنا بشر ،خلقَنا الله بالاْصالة والسّلالة !
-ولكنّني اْختلف عنكم !لا اْنهش لحم الآدميّين ، لا اْستغيبهم ولا اْعيبهم ،مهما مكروا وتمادوا !
-نراك تلفّ وتدور في سبعة بحور ،متلاعباً بالشّعور والمحظور !
-هكذا خلقني إلهي وربّي ،واْهلي اْحسنوا اْدبي !
-لن نتراجع ونسترخي،مهما حلّقتَ وصُلتَ وجُلتَ!
-واْنا لن اْخضع وعن دربي لن اْرجع !
-سنخلق من حولك الفوضى ،الإشاعات والدّعايات الفتّاكة !
-كلّ ذلك لن يثنيني ولا يعنيني ،ثقتي بالله كبيرة ،مهما تمادت العشيرة !
-نعرف عنكَ اْنّك تصادق الاْغيار ،ولا تخضع لمعيار ،ولا تكيل بصاع ،واْنّك تصول وتجول في كلّ بلد وآخر ،لا تخضع للطائفيّة ،ولا تتجانس مع الرّجعية ، لاتتقوقع في القومية ،بل تنطلق نحو الاْمميّة ،لا تدين بالشعوبيّة وتمقتُ المحسوبيّة .....
-ما دمتم تعرفون هذه الاْشياء ! فلماذا السّؤال والإحراج ! اْعرف اْنّكم كُلّفتم لاستنطاقي واستدراجي ،كاْنّكم تقولون لي : نام حتى نذبحك !فاْقول إشي بيطيّر النّعس ،إنتو بتغفّوني وانا صاحيلكو !خيّطوا بغير هالمسلّة ،وغير هالإبرة المشرّمة اللي عنّا منها قُفف معرّمة .... –نعرف اْنّكَ قابلتَ اْعداء الدولة ؟
- ولكنّهم ليسوا اْعدائي ! والّدولة تلهث خلفهم لمقابلتهم وتسوية بعض الاْمور العالقة ؟ -ونعرف اْنّكَ تُترجم ، تُجالس ،تُحاضر وتناظر شعب الله المختار ،وتتفوّق عليهم اْدبيّاً وعلميّاً ! -اْنا اْبسط خلق الله ،واْبعدهم عن التّصنّع ،التّكلّف والمراوغة !اْقول للاْعور :يا اْعور !عينك عينك، وقبل اْن يطلب منّي إزالة القشّة من عيني ! اْطلب منه إزالة الخشبة من عينو ! العين الحُرّة مِشْ بَسْ بتداقم المخرز ! وبتتحدّى كذلك كل اْنواع اسلحة الدّمار الشامل ،تهزاْ من الديموقراطيّة المستوردة والمهجّنة خصّيصاً لخصيان العرب ومرتزقتهم من المحيط الى الخليج -يا اْخونا مْبيّن لسانك مبري ،ما بيدخل لحلقك ،بيّاع حكي ،طقّ حنك ،بتلفّ وبتدور في سبعة بحور !
-لا بيّاع حكي ،ولا يحزنون ،اْجوبتي على قدر اْسئلتكم الاستفزازيّة التي لا تعرف الاْدب واللياقة،وتخرج عن حدود اللباقة في عصر الفاقة....
-ها هي شهادات تقدير من مختلف الاْطر تُزيّن صالونك ،كاْنّك تزهو وتتباهى بها كطاووس مغرور !
-ليس لديّ صالون ،والحمد لله ،لديّ غرفة متواضعة ،اْبعد ما تكون عن مظاهر العزّ والجاه،القناعة كنز لا يفنى ،اْكتفي بشظف العيش ،لم ولن اْحسد اْحداً،اْردّد مع الاْخوة في الانسانيّة :اْبانا الذي في السّموات ! ليتقدّس اسمك ،لياْت ِ ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الاْرض ،اعطنا خبزنا كفاف يومنا ،واغفر لنا خطايانا ،كما نغفر نحن اْيضاً لمن اْخطاْ الينا ،ولا تدخلنا في التّجربة ،ولكن نجّنا من الشّرّير ،لاْن لك المُلك والقدرة والمجد الى اْبد الدّهور ،آمين ! اْدين بمبداْ :كلّنا خُلقنا بالاْصالة ،وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ...،معشر الإخوان :إيّاكم والنّفاق....
-نراك تقلبها صلاة دينيّة ،كاْنّنا في الهيكل !
-سيّان عندي ،كلّ بيوت الله سواء : الهيكل ،الكنيس ،الكنيسة ،المسجد ، الحوطة ، الخلوة والصّومعة ،كلّها تؤدّي الى نفس الهدف ،اذا صدقت النّيّة ،وابتعدنا عن الاْنانيّة ،دون اْن يكفّر اْحدنا الآخر !
-اْمرك غريب يا هذا!كلّما طرقنا باباً سمعنا خطاباً،تردّ على النّار بالمثل !
-عفواً !اْنا لا اْلعب بالنّار ولا اْعبث بها ،رغم اْنّها تنقّي النّفوس اْحياناً وتصقلها ،اْو تعيد سبكها من جديد ،اذا دعت الحاجة الى ذلك،انا ادعو للسلام ،المحبّة والوئام بين كافّة بني البشر .
-نحاكيك في الشّرق تردّ علينا في الغرب ،يبدو اْنّك فقدتَ البوصلة ،يا اْخا العرب !
طابت لعبد الصّبور كلمة :يا اْخا العرب ،ظنّ اْنّها رمية من غير رامٍ،قد يحذفونها من جدول اْعمالهم ،لذا قطع الطّريق عليهم ،واْخذ يحلّق في وجدانيّات ،وطنيّات ،روحانيّات ومناجيات انسانيّة ..... ضاقوا ذرعاً بها وبه وبغيبيّاته ،كما تزيّى لهم ، لم يتوقّفوا عن رمي اسهمهم النّاريّة ،كاْنّه قتّال اْبيهم ،معاذ الله !واصلوا استفزازهم ،وواصل تهكّمهم بلا هوادة ،كالمغنّين في الطّاحونة ،اْو حديث الطرشان ،ثمّ وجّهوا وصوّبوا قذيفتهم الاْخيرة :حدّثنا عن قريتنا اْيّام زمان ؟
-استوى عبد الصبور بجلسته ،رمقهم بطرف عينه وقال :إجِتْ والله جابها ! بلدة اْم الخير اسم على مسمّى ،ككافّة قرانا ،بها الشّهامة ، الكرامة ،الاستقامة ،النّشامى ،الوفاء ،الفداء والاكتفاء ،النّخوة ،الصّحوة ،بعيداً عن الرّشوة والنّميمة يا بني الشتيمة ،صحيح اْنّني لم اْتغرّب ،ولم يمت كلّ اجيالي ،بل بعضهم،قِيمي لم ولن تتغيّر،إن صنّفتموني مع الرّجعيّة ، لا باْس عليكم ! بيفرجها الله !
[email protected]
أضف تعليق