مَن لديه أذنان ليسمع الذبذبات الصادرة عن السياسيين الإسرائيليين لاحَظ حتمًا الاهتمام الخاصّ الذي حظيت به (وبحقّ) بلدة الفريديس بُعيد أعمال "تدفيع الثمن" فيها. فرغم أنّ هذه الأعمال تجري ضدّ فلسطينيين وضدّ فلسطينيين إسرائيليين بشكل دائم، يبدو هذه المرّة أنّ ثمة اهتمامًا سياسيًّا فائقًا للعادة
كانت الكتابة على الجدار. وصلتُ هذا الصباح إلى الفريديس لشجب أعمال تدفيع الثمن التي نُفّذت في يوم ذكرى الهولوكوست (الثلاثاء) في أحد مساجِد البلدة. الفريديس هي قدوة يُحتذى بها للحياة المشتركة، وليس صدفة احتشاد الآلاف في مسيرة احتجاجية أمس، يهودًا وعربًا. مَن يحاول إشعال النار على خلفية دينية يُشعل نارًا غريبة، وتتحتّم محاربته. تعمل الشرطة والأمن العامّ (الشاباك) على القبض على المجرمين، ولكن من أجل فعل ذلك بشكل فاعل، يجب منحهما أدواتِ كما في الحرب على الإرهاب. أعمال تدفيع الثمن من جهتي هي إرهاب، تتوجّب محاربته بجميع الوسائل المتوفرة لدى سلطات فرض القانون. في هذا الشأن، لا ائتلاف ولا معارضة، فلا يمكن السماح للكراهية الدينية أن تمسّ بالحياة المشترَكة في هذه البلاد.
حتّى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي لا يهتمّ بشكلٍ عامّ بحياة عرب إسرائيل، كلّف نفسه عناء التصريح للصحافة، رغم أنه لم يكتب الكلمات على صفحته على الفيس بوك. مع ذلك، كم مصوّتًا مسلمًا هناك للّيكود ولرئيس الحكومة؟ في إعلان موجّه للإعلام، تطرّق رئيس الحكومة نتنياهو إلى الأعمال خلال لقاء في القدس مع ناشطين في الليكود من الوسط العربي، الدرزي، والشركسي، قائلًا: "نعمل من أجل إلقاء القبض على المسؤولين. قمتُ بتكثيف القدرات لهذا الغرض، ونحن نستخدم وسائل الشاباك". حسب تعبيره، "هذا هدف مركزيّ، لأنّ الأمر يناقض ماهيّتنا وقيَمنا".
ولكن، لمَ هذا الحماس الساحر لقادتنا، ولمَ لا نسمع هذه الصرخة المدوّية في كلّ تمييز ضدّ الوسط العربيّ؟
لمَ الفريديس تحديدًا وليس يكنعام، كنيسة الطابغة، أم الفحم، الجشّ، دير رفات ، أو بيت شيمش، وهذه مجرّد عينة صغيرة من أحداث شهر نيسان؟
هناك إجابة! فالفريديس هي إحدى القرى القليلة في إسرائيل التي تعيش فيها نسبة عالية جدًّا من المسلمين، ويصوّت فيها السكّان لأحزاب الليكود، العمل، وميرتس. حالة الليكود مفاجِئة بشكل خاصّ، فهو يحظى بنسَب صغيرة جدًّا تقارب الصفر في باقي البلدات المسلمة في البلاد.
في نهاية انتخابات 2013، حاولتُ أن أفهم كيف لا ينجح الليكود، وهو الحزب الأكبر في إسرائيل، الحِزب الحاكم، الذي لديه بالطبيعة القدرة على توزيع الوظائف وأكبر عدد من المنتسِبين في البلاد، في أن يكون حزبًا إسرائيليًّا شاملًا، يمكن للأقليات أن تندمج فيه أيضًا؟ هل للحزب مصلحة ورغبة في دمج الأقليّات؟ تحدثتُ إلى بضعة أشخاص، وبحثتُ عن الأماكن في الخارطة التي صوّت فيها مسلمون بنسب أعلى قليلًا لصالح الليكود. تبيّن لي أنها مهمّة ليست سهلة.
وإذا بي أجد الإجابة: تتصدّر الفريديس القائمة بنسبة 15% للّيكود، تليها عيلوط (منطقة الناصرة) مع 9%، ثمّ بسمة طبعون مع 7%.
تلقّى النائب السابق عبد الوهّاب دراوشة اتّصالًا من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد المعركة الانتخابية عام 1996 ودعوة للمفاوضات من أجل الانضمام للائتلاف. أراد نتنياهو، في ولايته الأولى في رئاسة الليكود والحكومة (في انتخابات مباشرة)، أن يجلب دراوشة الحزب الديمقراطي العربي ليكون جزءًا من الائتلاف. ذهل دراوشة، تحدّث مع رئيس الحكومة، وكذلك مع النائب طلب الصانع، وقرّرا عدم الانضمام إلى الحكومة. "أراد نتنياهو القيام بهذه الخطوة، لكن السياسيَّين شعرا بأنّ هذا يمكن أن يكون إشكاليًّا بالنسبة للجمهور العربي، فلم يدخُلا"، هذا ما رواه هذا الأسبوع محمد دراوشة، مدير عامّ مشترَك في مبادرات صندوق إبراهيم، جمعية تعمل على الدمج والمساواة بين اليهود والعرب مواطني إسرائيل.
"كان هذا في الماضي، حاول الليكود، لكنّ هذا لا يحدث اليوم"، قال دراوشة (ثمة قرابة بعيدة بينه وبين النائب السابق دراوشة)، متابعًا: "الليكود لا يتوجّه بأيّ شكلٍ من الأشكال إلى المجتمَع العربي. فهو لا يطلب دعم هذا المجتمَع، لا علنًا، ولا في الغرف المغلقة. لم يقوموا بدعاية انتخابية ضمن حملتهم باللغة العربية. وكانت رسالتهم متطرفة عبر وضع موشيه فيجلين في مكانٍ متقدّم في القائمة. لقد عزلوا صوتَ العقل في الليكود، مثل بيني بيجن، من القائمة، وحوّلوا الحزب إلى متطرّف أكثر بنظر الشعب العربيّ".
في السنوات الماضية، ساد الافتراض أنّ الليكود لا يحظى بأيّ دعم في المجتمَع العربي - الإسلامي في إسرائيل. يختلف الأمر لدى الطائفة الدرزية، التي يخدم أبناؤها في الجيش، والتي تمتلك بعض القوة السياسية لدى أقطاب مؤتمَر الليكود. لكن رغم أنّ الأمر يبدو مفهومًا ضمنًا، يجدُر التساؤل لمَ لا يبذل الحزب الأكبر في إسرائيل، الذي اقترع لصالحه ما يزيد عن 885 ألف شخص في إسرائيل، أيّ جهد لإجراء حوار مع شريحة كبيرة جدًّا من الشعب الإسرائيلي.
قال لي هذا الأسبوع أحد أفراد الليكود، الذي كان جزءًا من الحملة الانتخابية، إنه عدا الشأن المفهوم - غياب أيّ تقدم في الشأن الفلسطيني في السنوات الأربع الماضية - فإنّ الهوّة بين الليكود والسكّان المسلمين أعمق من أيّ وقتٍ مضى. "على سبيل المثال، حين أراد النائب جمال زحالقة (التجمع الوطني الديمقراطي) إمرار اقتراح قانون يُلزم المؤسسات التعليمية في إسرائيل بتدريس مجزرة كفر قاسم، عارضت وزارة التربية برئاسة الوزير الليكودي جدعون ساعر. تجري دراسة هذا الموضوع في جميع الحالات، كان الردّ على زحالقة. في موادّ التدريس للبجروت في التاريخ، وكذلك كجزءٍ من دورة ضبّاط، في موضوع القيادة غير الشرعية بشكل جليّ. الافتراض الأساسيّ داخل الليكود اليوم هو أنه ليس هناك أيّ تعاوُن مع المجتمع الإسلاميّ، لأنهم غير معنيين بذلك، ولا يدعمون الليكود مطلقًا".
وهل تبدو لكم هذه الفجوة أمرًا عاديًّا؟ "لا. أعلم أنّ هناك نحو 20 ألفًا من البلدات الدرزية والإسلامية صوّتوا للّيكود، لكنهم في الأساس دروز. ومَن أحضرهم هو نائب الوزير أيوب قرا، الذي خرج هو نفسه من قائمة الليكود للكنيست. قام الوزير يسرائيل كاتس بعدّة خطوات هامة في مجال النقل في البلدات العربية، من أجل تسهيل خروج النساء العربيات إلى العمل، ولكن لا أحد يعترف بفضله في ذلك عَلَنًا".
هل ثمّة أي احتمال للتقارُب اليوم بين الجمهور العربي وبين الحِزب الحاكم؟ "للأسف، يبدو الأمر بعيد الاحتمال"، قال دراوشة، مضيفًا: "لا أرى أيّ احتمال أن يدعو نتنياهو القائمة الموحدة - العربية للتغيير، أحمد الطيبي مثلًا، إلى المفاوضات الائتلافيّة. أضحى حزب الليكود في نظر الشعب العربي حزبًا لا يتوجّه إلى الجمهور الواسع، بل إلى اليمين، حتّى اليمين المتطرّف. فهو لا يتصرّف كحزبٍ تهمّه شرائح المجتمَع الإسرائيلي كلّها. بما أنه لم يكُن لديهم أيّ برنامج مكتوب ضمن الحملة الانتخابية، يمكن الاستناد إلى أقوالهم تجاه الجمهور العربي فقط، وهي أقوال وقِحة، تتّسم بالتمييز، وتحريضيّة. إذا بحثتَ عمّن صوتّ لهم من المسلمين ستستصعب العثور عليه".
اثر بحث في خريطة التصويت، نجحتُ في العثور على القليل من الأماكن، البلدات العربية - الإسلامية، التي حصل فيها الليكود على تصويت مكثّف. أحد هذه الأماكن هو قرية الفريديس، حيث اقترع 15% من المصوِّتين للّيكود (465 صوتًا). إلى جانبها، هناك أيضًا عيلوط، في منطقة الناصرة مع 9% للّيكود (176 شخصًا)، بسمة طبعون في منطقة شفاعمرو مع 7% (119 شخصًا)، فضلًا عن بعض البلدات القليلة في أرجاء البلاد. وفق حِساب أجراه الليكود، صوّت للّيكود بين السكّان المسلمين (الذين يشكّلون 75% من المجتمَع العربي في إسرائيل) نحو 5 آلاف شخص فقط.
ذكر سياسي عربي تحدثتُ إليه، فضّل إبقاء هويته سرية، أنّ السياسة في الوسط العربي تلوّثت إلى حدٍّ بعيد في العقود الأخيرة، بحيث يجري دفع رشى مقابل الاقتراع في يوم الانتخابات. بالتباين، يذكر أنّ ظاهرة انخفاض التصويت للأحزاب الصهيونية تميّز اقتراع العرب منذ أوائل التسعينات.
وكيف يجري تعليل التصويت للّيكود في مكانٍ مثل الفريديس؟ "إنها حالة خاصّة لمصالِح محليّة. فرئيس بلدية الفريديس معنيّ بعلاقات مع الليكود، وهو يخوض اللعبة السياسية. إنه ليس تصويتًا مبدئيًّا، بل على أساس مصلحة. في باقي البلدات، ليس العرب المسلمون مستعدّين لقبول قواعد اللعبة السياسية، ولذلك لا ينسجون أية علاقات بالليكود".
نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع "the Plog" لتاال شنايدير
[email protected]
أضف تعليق