"الليلة جنون" عنوان لبرنامج تلفزيوني يتعدى الترفيهي كما يوحي اسمه. فهو فعلا برنامج كله جنون وليس فيه أي نوع من الفنون. والبرنامج المذكور يبث على احدى القنوات الفضائية اللبنانية. المشاركون والمشاركات فيه يتحولون الى مخلوقات غير عاقلة، تأتمر بأوامر وتعليمات مقدم البرنامج، بشكل آلي تتحول تصرفاتها وحركاتها وأصواتها إلى حالة جنون. واذا كان "الجنون فنون" كما قيل على اعتبار أن الجنون أحيانا ينتج فنونا، إلا أن الجنون في "الليلة جنون" هو حالة جنون صرف ولا علاقة لها بالفنون من قريب أو بعيد، ولذا يمكن القول أن "الليلة جنوووووووون" كما يهتف المقدم ومعه الجمهور الحاضر في صرخة جنونية مرفقة بحركة من أصابع اليد هي الأخرى جنونية.
كان لا بد لي أن أشاهد مقاطع من حلقات هذا البرنامج الجنوني، ليس حبا واعجابا به بمقدار ما هو حب استطلاع ومحاولة لفهم هذا البلد العربي الغريب العجيب ألا وهو .. لبنان! كل ما في لبنان اليوم أشبه ما يكون حالة من الجنون، والذين يعتبرون عقلاء انما هم في الواقع نتاج حالات جنونية. إذا ألا يمكن القول أن المجانين في لبنان اليوم هم العقلاء؟! في هذا الجو العبثي.. الجنوني.. "الأخوت" على حد التعبير اللبناني الشهير، والذي ذكرني بمسلسل لبناني كنا نتابعه أيام صغرنا بعنوان "أخوت شناي".. يتحول الجنون في البرنامج المذكور الى حالة عقلانية، تارة يقفز المشاركون وطورا يرقصون، مرة يستلقون على الأرض وأخرى يجلسون، تارة يصفقون وطورا يقهقهون، حينا يصمتون وأحيانا يصرخون.. يأتون بحركات بهلوانية تصل ببعضهم الى خلع ملابسه أمام المشاهدين أو يقلبون على بعض ويصطدمون بأعضاء بعض في المسرح المائل. حركات ومواقف لا رابط بينها ولا تسلسل.. حالات تعبر عن أصدق تعبير عما يجري في لبنان.. تارة يتحاورون، طورا يتقاتلون، تارة يتخاصمون، طورا يتصالحون، مرة يفجرون، وأخرى يرقصون، تارة يهدأون، طورا يغضبون، حينا نراهم ملائكة وأحيانا يظهرون على شكل شياطين.
لبنان ليس كله "حديث البلد" وليس دائما بعده "مع رابعة" ولا حتى يستمر في "غنيلي تغنيلك". بلد يحيرك بتعدد قنواته الفضائية، فكل حزب وحركة يمتلك فضائيته كما امتلك من قبل جريدته واذاعته. إلى جانب البرامج السياسية الحوارية الجدية والرصينة الى حد التجهم وشد الأعصاب مثل "الأسبوع في ساعة" أو "بموضوعية" أو "للنشر" أو "كلام الناس" أو "بلا حصانة"، تجد البرامج الفنية والاجتماعية الخفيفة واللقاءات المنفتحة والفيسبوكية مثل " هيدا حكي" و"هيك بنغني" و "رقص النجوم" و"زي ليديز" الى جانب البرامج الساتيرية المنزلقة نحو الاسفاف والايحاءات الجنسية، مثل "ما في متلو" و "قربت تنحل" و بس مات الوطن"و "شي ومنو". لبنان سوبر ماركت كبير تجد فيه الكثير منه ما هو نافع ومنه ما لا يستحق التفكير.
إن بلدا مثل لبنان ليس غريبا أن يتقدم فيه لمنصب رئاسة البلد مرشح مثل سمير جعجع.. حتى أن التقارير الاخبارية التي تبث عنه في نشرات الأخبار، لو شاهدتها بمعزل عن إطارها لظننت أنك تشاهد مشهدا ساخرا في قمة الساتيرا أو الهلوسة.. وهذا هو ما يؤكد لك أنك تتابع بلدا مجنونا يقارن فيه سمير جعجع فترة سجنه على خلفية جرائم بحق أبناء قومه ووطنه وطائفته، بالسجين الأكثر شهرة لقاء نضاله الوطني في سبيل تحرير شعبه الجنوب أفريقي، المناضل نلسون مانديلا، انها قمة الاسفاف أن تتم تلك المقارنة على شاشة التلفاز، فلا لبنان هو جنوب أفريقيا ولا جعجع بحجم قدم مانديلا. هذا ناهيك عن اهانة تلحق بنا كفلسطينيين حين ينعتون جعجع بلقب "الحكيم"، هذا اللقب الذي حمله واشتهر به القائد الفلسطيني المناضل المرحوم د. جورج حبش، يمنح اليوم لزعيم خان وطنه وتآمر على قضايا أمته وباع ضميره. كيف يمكن تحمل كل تلك الآفات والترهات و"الجنووووووون" الذي سيتحول الى رسمي إذا لا قدر الله ولا سمح بأن يصبح سمير جعجع رئيسا لجمهورية لبنان.
لكن.. ما زال العقل يرجح على "الجنووون" في لبنان، حيث فشل جعجع ومن يقف معه من انتخابه رئيسا مرتين في البرلمان اللبناني، وبدل أن يعترف جعجع بفشله ويتراجع عن ترشيحه، نراه يتمادى في التحدي ومعارضة المزاج العام في لبنان، وأملنا كبير في هذا المزاج الذي لن يقبل بجعجع رئيسا، وسينجح قريبا في التوصل الى حل لهذا الاشكال وانتخاب رئيس يتناسب والمرحلة الحرجة التي يمر بها لبنان.
(شفاعمرو/ الجليل)
[email protected]
أضف تعليق