فاجأ رئيس الحكومة الإسرائيلية، أركان وزارته كما المستوى السياسي والدستوري في إسرائيل عندما أعلن قبل أيام عن نيته طرح مشروع قانون أساسي يكرس إسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي" ورغم أن مثل هذا الإعلان لم يكن مفاجأة بحد ذاته، ذلك أن قيادات سياسية إسرائيلية سبقت وطرحت مضمونه أكثر من مرة، إلاّ أن إعادة نتنياهو طرح هذه النوايا في هذا الوقت بالذات، وبعد فشل العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني الإسرائيلي، يشير إلى أن نتنياهو بصدد تعديل حكومته، المقصودة مباشرة من هذا الإعلان، هي وزير العدل ومسؤولة ملف المفاوضات تسيبي ليفني، التي عارضت ولا تزال تعارض مثل هذا الإعلان، وكانت معارضتها جزءاً من برنامجها الانتخابي، البعض فهم إعلان نتنياهو المشار إليه، إجبار تسيبي ليفني، على ترك حكومته بعد فشل العملية التفاوضية، مجرد مناورة داخلية بالدرجة الأولى، خاصة وأن فقهاء القانون الدستوري في إسرائيل، يعتبرون قانون "حق العودة" بمثابة إعلان دستوري وقانوني صريح يجعل إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي من دون الحاجة إلى سن أي قانون أساسي يتضمن ذلك.

لكن بعض الساسة الإسرائيليين يعتبرون أن قانون "حق العودة" غير كاف، إلاّ في التعامل مع القضايا الداخلية الإسرائيلية، في حين ان ما طرحه نتنياهو حول قانون أساسي، هو موجه إلى سياسة الخارج بحكومة إسرائيل، حيث من المفترض أن تتعامل دول العالم مع إسرائيل بوصفها دولة قومية للشعب اليهودي.

حالياً، تحاول أن تعرف إسرائيل نفسها باعتبارها دولة "يهودية ديمقراطية" ومن الواضح أن هذا المصطلح متضارب ومتناقض تماماً، الأمر الذي أثار وما زال يثير التيارات المدنية والديمقراطية في إسرائيل، فكون إسرائيل يهودية، أمر هو بحد ذاته منافٍ للديمقراطية من حيث المبدأ، ناهيك عن أن هذا المفهوم يمس مباشرة بالمواطنين العرب في إسرائيل، وكذلك فإن سبق كلمة يهودية على كلمة ديمقراطية، يعني أن الأولوية لليهودية، أما كلمة ديمقراطية في هذا السياق فلا قيمة لها من الناحية الموضوعية وهذا ما جعل وزير المالية يائير لبيد رئيس حزب "هناك مستقبل" يضم صوته إلى ليفني ويعلن معارضته لسن مثل هذا القانون، وكذلك بعض أطراف المعارضة خارج الحكومة كان لها رأي معارض لما جاء به نتنياهو، خاصة وأن رئيس الحكومة يهدف فيما يهدف إليه إلى أن يتقدم للإسرائيليين بهدية عيد قيام الدولة بعد أسابيع قليلة، عندما يبلغ عمر اسرائيل 66 عاماً!!

ونتيجة لاحتدام المواقف، في السابق، حول تعريف "يهودية ديمقراطية، تم اللجوء إلى الخبير الدستوري البروفيسور روث جيزون، لتتقدم بدراسة شاملة حول موضوع الدولة اليهودية الديمقراطية والخروج بمقترح يحافظ على التوازن بين التعريفين، المهمة المطروحة على جيزون ليست في مدى ملاءمة المصطلح، ولكن مهمتها هي إيجاد الذرائع والفبركات والفذلكات القانونية والدستورية والسياسية، لخلق علاقة مصطنعة بين مفهومين متناقضين، لكن جيزون، رغم كل قدراتها القانونية والدستورية، لم تنجح حتى الآن في التقدم بمفهوم يبرر العلاقة المصطنعة بين اليهودية والديمقراطية.

لذلك يرى الساسة في المعارضة لهذا المفهوم، أن قانون الأساس الذي يشير إليه نتنياهو، سيضع بشكل واضح القيم اليهودية للدولة في موضع أفضلية أعلى من سائر قيمها الديمقراطية، وهذا يشكل "انقلابا" حقيقيا بشأن تعريف الدولة العبرية.

وهناك مخاوف حقيقية من جراء تبني هذا القانون، بشأن المحكمة العليا في إسرائيل والنظام القضائي برمته، إذا ما تم تجاوز النظام الديمقراطي لصالح الدولة اليهودية، إذ ان أحكام القضاء في مثل هذه الحال، سيكون مرجعيتها توراتية بالدرجة الأولى، وأحكام الشريعة اليهودية، حتى بالنسبة لغير اليهود، ولهذا الأمر خطورته الكبيرة، ليس على الفلسطينيين العرب في إسرائيل، بل ان ذلك سيطال كل مناحي الحياة في إسرائيل، والأكثر تضرراً من مثل هذا القانون كافة القوى الديمقراطية على اختلاف تلاوينها السياسية والعقائدية، وسيكون هذا القانون لصالح مختلف القوى الدينية، اليمينية والمتطرفة على حد سواء.

ومن دون شك فإن لهذا القانون، في حال تشريعه، مخاطره غير المحدودة على الرواية الفلسطينية، والمتعلقة بالأرض والإنسان والتاريخ والحضارة، وذلك ما دفع بالقيادة الفلسطينية إلى الإصرار رغم كل الضغوط على عدم التسليم بالطلب الإسرائيلي بالاعتراف بيهودية الدولة.
وما زال النقاش في الداخل الإسرائيلي محتدماً، حزب العمل وسع أبوابه لانضمام حزب ليفني له، وإذا ما تم ذلك، فإن حزب العمل الذي لديه 15 عضو كنيست، و6 أعضاء لحزب ليفني هتنوعاه، ليصبح للحزب 21 عضو كنيست، وبذلك يصبح الحزب الأكبر عدداً في الكنيست، وتبدو خيارات ليفني محدودة على ضوء تراجع شعبية حزبها، وفي ظل استطلاعات الرأي فإن هذا الحزب قد لا يتمكن من دخول الكنيست في الانتخابات التشريعية القادمة، وقد تجد ليفني في إعلان نتنياهو المشار إليه، خشبة الخلاص للخروج من الحكومة والانضمام إلى حزب العمل، أو على الأقل تشكيل حزب جديد يضمها مع آخرين، إلاّ أن ذلك مستبعد بسبب ما يقال عن عناد ليفني وعدم قدرتها على الاعتراف بالواقع!!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]