مهنة الصحافة هى مهنة البحث عن المتاعب، فكثير هم الصحفيون الذين فقدوا حياتهم بسبب تغطيتهم لأخبار الحروب والكوارث وكثير هم الصحفيون الذين زج بهم فى السجون لمواقفهم الشجاعة فى مناهضة الفساد وسوء استخدام السلطة،ومن ثم كان الاعتقاد الراسخ بأن حرية الصحافة لا تقدر بثمن نظرا للدور التنويرى الذى تلعبه فى توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، فضلا عن إلقاء الضوء على القضايا المهمة المثارة داخل المجتمعات المختلفة.
الانطلاقة في 1991
يمثل هذا اليوم فرصة للاحتفال بالمبادىء الأساسية لحرية الصحافة وتقييم وضع الحريات الصحفية فى جميع أنحاء العالم
ومن هنا جاءت فكرة تخصيص يوم للاحتفال بالصحافة، حيث ظهرت الفكرة باعلان "ويندهوك التاريخى" خلال اجتماع للصحفيين الأفارقة أقامته منظمة اليونسكو وعقد فى ناميبيا فى الثالث من مايو عام 1991، وينص الاعلان على أنه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة الا من خلال ضمان بيئة اعلامية حرة ومستقلة وقائمة على التعددية، وهو شرط مسبق لضمان أمن الصحفيين فى أثناء تأدية مهامهم ولكفالة التحقيق فى الجرائم المرتكبة ضد حرية الصحافة تحقيقا سريعا ودقيقا، ويمثل هذا اليوم فرصة للاحتفال بالمبادىء الأساسية لحرية الصحافة وتقييم وضع الحريات الصحفية فى جميع أنحاء العالم والدفاع عن وسائل الاعلام أمام الهجمات التى تشن على حريتها، فضلا عن تذكر الصحفيين الذين فقدوا حياتهم فى أثناء تأدية واجبهم المهنى والاشادة بهم.
تجديد الالتزام بالدفاع عن حرية التعبير
الأهم من ذلك أن هذا اليوم يعد فرصة ايضا كى يراجع العاملون أخلاقيات المهنة ومدى الالتزام بها
كما يعد هذا اليوم مناسبة لتجديد الالتزام بالدفاع عن حرية التعبير، ولتذكير العالم بنضال الصحفيين فى مختلف أنحاء العالم من أجل الحرية ومن أجل الحقيقة التى دفعوا فيها أثمانا باهظة مقابل حق المواطن فى أن يعرف ما يدور حوله، وأن يكون هو صاحب القرار الأول والأخير فى اتخاذ قراره. وهو أيضا يوم للتذكير بالانتهاكات التى تتعرض لها المهنة و العاملون فيها، فهناك عشرات الدول حول العالم تفرض فيها الرقابة على المطبوعات، كما تفرض عليها الغرامات وأحيانا يتم تعليق صدورها من الأساس، بينما يلقى الصحفيون والناشرون ألوانا من المضايقات والاعتداءات والتهديدات والاعتقالات بل الاغتيالات فى بعض الاحيان، والأهم من ذلك أن هذا اليوم يعد فرصة ايضا كى يراجع العاملون أخلاقيات المهنة ومدى الالتزام بها. وعادة ما يكون اليوم العالمى للصحافة يوما احتفاليا، يوجه فيه الأمين العام للأمم المتحدة كلمة للصحفيين بهذه المناسبة كما تحتفل اليونسكو بتكريم عدد من الصحفيين الذين ناضلوا من أجل الحرية وحقوق الإنسان، وتقيم عدد من المنظمات الدولية غير الحكومية احتفالات وندوات ومؤتمرات احتفاء بما قدمه الصحفيون من أجل الحرية, ويدور احتفال العام الحالى عن حرية وسائل الإعلام من أجل مستقبل أفضل.
تحديات ضخمة تواجه العمل الصحفى وتحتم على أبناء المهنة مواجهتها بجدية
ولكن رغم الإقرار بأن حرية الصحافة لا تقدر بثمن ورغم الاقتناع بالقدرات الواعدة للصحافة الحرة وبالمخاطر التى تواجهها المهنة يوما بعد يوم، وما يتعرض له الصحفيون من مضايقات فى سبيل المساهمة فى ضمان الشفافية خاصة وأن ظاهرة الإفلات من العقاب مازالت منتشرة على نطاق واسع، حيث أشارت العديد من الدراسات إلى مرتكبى الجرائم ضد الصحفيين لا يحاكمون فى تسع من أصل عشر حالات تحدث فعلا وتستهدف العاملين فى هذه المهنة، فإن ذلك لا ينفى وجود تحديات ضخمة تواجه العمل الصحفى وتحتم على أبناء المهنة مواجهتها بجدية.
وسائل التواصل الاجتماعى اصبحت منافسا قويا للصحافة المطبوعة والمرئية
فإلى جانب التساؤلات المتجددة عن مستقبل الصحافة فى العالم فى ظل انتشار وتنوع وسائل الإعلام الحديثة بعد أن اصبحت وسائل التواصل الاجتماعى منافسا قويا للصحافة المطبوعة والمرئية، وما يرتبط بذلك من ضرورة مواكبة المستجدات التكنولوجية والمنظومة المتطورة لإنتاج الأخبار واستخدامها. ومع الاقتناع التام بأن حرية التعبير إن كانت من المبادئ الأساسية لمنظومة حقوق الإنسان، إلا أنه يجب التنبيه الى أنها توسعت إلى حد التضخم، بحيث أدى الإفراط فى التذرع بهذه الحرية عند استخدام التكنولوجيا الى المساس بحقوق الانسان الاخرى لكون فضائها أصبح أكثر رحابة، وهو ما دفع البعض للمناداة بضرورة تحقيق التوازن بين الحق فى الحصول على المعلومات وتداولها فى إطار حرية التعبير وبين احترام مبادىء الأخلاق وحقوق الإنسان المرتبطة بها.
وأيا كان الأمر فإن حرية الصحافة تعمل على جعل المجتمعات سليمة ونابضة بالحياة والحيوية، فعندما يتوقف التدفق الحر لسيل الأخبار والمعلومات يعانى الأفراد والمجتمعات، فالصحافة الحرة تعمل على تعزيز المناقشات البناءة، كما أنها فى سياق عرضها للمشكلات تكون بمثابة منتدى لتبادل وجهات النظر المختلفة والأفكار الحرة وصولا لحلول لمشاكل المجتمع. والأهم من ذلك أن الصحافة التى تهدف لبناء دولة الحق والقانون ليست مهنة من لا مهنة له، ولا مكان فيها لأنصاف المتعلمين أو من لا إبداع لهم، ومن هنا تأتى صعوبة وخطورة هذه المهنة التى تحتاج للكثير من الصبر والأناة وبعد النظر والاعتماد على أهل الخبرة والمعرفة، فالخطر الحقيقى على الصحافة لا يأتى من المحاصرة والرقابة والتضييق ولكنه يأتى من المرتزقة الذين سطحوا الصحافة وأهانوا دورها الفعال، فالحرية شرط أساسى فى العمل الصحفى ولكن المسئولية شرط لهذه الحرية.
[email protected]
أضف تعليق