مرت الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل بمحطات مختلفة، من النكبة إلى البقاء، والدفاع عن الأرض والنضال أمام سياسة سلب الأرض والحقوق والتهويد والتمييز والفصل العنصري، لأجل التطور والمساواة والسلام، وهي الآن تمرّ بمعركة الحفاظ على الذات كأقلية قومية، وكقوة نضالية سياسية في معارك السلام والمساواة والديمقراطية أمام يهودية الدولة وانعكاس ذلك على هذه الأقلية.

كانت الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، وما زالت، الشوكة في حلق المشروع الإسرائيلي وهو دولة اليهود أي دولة قائمة دون الأقلية العربية، أو بأفضل حال دولة فصل عنصري "أبرتهايد"، وهي التي ما زالت تعتمد نفس منظومة سلب الأراضي والحقوق والتمييز الممنهج، وعندما تحين الظروف المناسبة تقوم بتهجير من تبقى في البلاد من السكان الأصليين، أو دفعهم على الهجرة. وما كان يؤخر أو يؤجل أن يكون تنفيذ ذلك شاملاً هو وحدة الجماهير العربيّة، فأكبر نجاح تحققه اليوم إسرائيل، وخاصة بعد استعمارنا الثقافي، يكمن في تفكيك الأقلية العربية إلى مجموعات منفصلة تَيسر على السلطة مهمة تحقيق مرادها على أكبر مساحة من الأرض، وبأقل عدد من الفلسطينيين العرب فوقها.

وما تقوم به السلطة الإسرائيلية لانتزاع الاعتراف بيهودية الدولة، كما ويجنبها دفع استحقاقات حل القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين، هو ما سعت وتسعى إليه طيلة الوقت من عدم الإبقاء على الأقلية العربية كأقلية قومية متماسكة، وان يبقى أقلّ ما يمكن من أبنائها داخل الدولة؛ لهذا ترى أنّها تشكّل عائقًا أمام تحقيقها أهدافها.

ومن مؤشرات هذه المرحلة عملية التسريع في تفتيت الأقلية إلى هويات سياسية منفصلة بل متصادمة وخاصة الهويات المتعلّقة بالدين؛ مما يساعد الدولة في تعزيز سطوتها وهيمنتها، كي تؤكّد صدق التعريف القومي للدولة كيهودية، من خلال إدراكها أن تعميق الشرذمة يسهل عليها عملية ابتزاز الاعتراف بها كيهودية من قبل أبناء الطوائف والأقسام المختلفة، مما يسارع من ازدياد المخاطر على الأقلية العربية.

ويفسر ذلك الهجمة الشرسة على القيادات الوطنية الجبهوية منها والحزبية، وقيادة الجماهير العربية الشريفة بشكل مباشر من السلطة أو غير مباشر بهدف القضاء على التوجه الثوري التقدمي الديمقراطي، الذي يشكل سدًا منيعًا أمام تحقيق ذلك.

فكان البدء بالحركات الاسلاموية، التي لعبت دورًا، بعد السلطة، في الفصل بين أبناء الشعب الواحد، بل حتى داخل الطائفة الإسلامية نفسها، وبالمقابل هنالك فئة من "كهنة" التجنيد التي تعمل على تسييس الدين، لإنتاج جماعة أو هوية "مسيحية" منسلخة عن شعبها مرتبطة ومنسجمة مع المشروع الصهيوني. من ناحية ثانية تقوم السلطة بخطوات متوازية مثل سنّ قانون تسجيل الانتماء الديني للمسيحيين في هوياتهم، وإرسال طلبات التطوع لكل شاب مسيحي للخدمة "الوطنية" أو للجيش، ودعم "كهنة" التجنيد. والسلطة تدعم، وبقوة، كل عملية توسيع التحالفات حول الحركات الإسلاموية، وتقوية التحالف حولها من خلال حركات سياسية تغيب عن مبادئها المبادئ القومية والاجتماعية، وتسعى نحو تسريع بناء "الهوية المسيحية"، من خلال القوانين وعملائها فيقوى الصراع، وكل ذلك بهدف شرذمة الأقلية العربية فتتعمق الغربة والاغتراب بين أبناء الأقلية الواحدة وبهذا يتم إنجاح مشروعها وهو الصدام فيما بين الأبناء، ويتنامى خوف قسم من الأقسام الآخرى، فتدفعهم بذلك للهجرة؛ ما يسهل عليها اقتلاع من تبقى، وهي المقدمة لتحقيق يهودية الدولة- كل الدولة حتى على الأرض المحتلة سنة 1967.

أن ما نشهده اليوم من عملية شرذمة للأقلية العربية يحتاج التصدّي له إلى عمل غير عادي وبرنامج واضح تحت قيادة وطنية واحدة لمقاومة سياسة "فرّق تسد" بهدف إفشال هذا المخطط والسعي لتحقيق العدالة الحقيقية للحفاظ على وجودنا كأقلية عربية لها حقوق تتعدّى حقوق الأفراد أو الطوائف.

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]