تابعت أمس كلمة الرئيس محمود عباس أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في الدورة السادسة والعشرون ، والتي تناولت قضايا كثيرة ، سمعناها في خطابات سابقة أكثر من مرة ، لكن ما استجد فيها هو موضوع المصالحة الفلسطينية التي وُقعَتْ في منزل السيد إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ بمدينة غزة قبل أيام .

الحقيقة خطاب الرئيس فيه محاور إيجابية يمكن البناء عليها، لكنه كسابقه من الخطابات"شبه مكرر" ، فهو خطاب عادي لم يخرج عن المألوف ، ورغم أنه تطرق لقضايا مصيرية هامة إلا أنه لم يقدم رؤية وطنية إستراتيجية أو حتى حلول لمواجهة التحديات الكبيرة التي تمر بها القضية والساحة الفلسطينية على وجه الخصوص .

كما أن حديث الرئيس محمود عباس عن مسار التسوية والمفاوضات أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل ليست طرفاً لسلام حقيقي مع الفلسطينيين فهي دولة احتلال وستبقى كذلك طالما بقيت محتلة لأرضنا، بل كانت كلمته في هذه الموضوع بمثابة إعلان فشل هذه المسار بعد إقراراه بتهربها (إسرائيل) من الاستحقاقات المطلوبة منها للفلسطينيين ومضيها في مشاريعها الاستئصالية التهويدية للأرض والمقدسات، الأمر الذي كان يستدعي من حركة فتح والسلطة الفلسطينية ومن الرئيس محمود عباس شخصياً إعلانه وقفها والانسحاب الفوري من مفاوضات عبثية تضر أكثر ما تنفع بالقضية الفلسطينية ، بل وتشكل خطراً محدقاً على حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني .

أكثر ما استوقفني هو تركيز الرئيس محمود عباس على اعتراف الحكومة التوافقية القادمة ب"إسرائيل" ، وهو ما أثار استغرابي بشدة ، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه المحطة، هل اتفاق المصالحة الذي وُقع مع حماس كان خياراً فتحاوياً حقيقياً نابعاً من إرادة وطنية أم أنه تكتيكاً سياسياً للضغط على إسرائيل في في قضايا عدة ، حيث إسرائيل تتخوف بمجرد التقارب بين السلطة وحركة حماس، إذن فالأيام القادمة ستثبت ذلك وهي كفيلة للإجابة على هذا التساؤل.

كما أن اتفاق المصالحة الذي وقع في كل من القاهرة والدوحة ، ينص على أن الحكومة القادمة هي حكومة ذات فترة زمنية محدودة ولها مهام محدودة، بلا برنامج سياسي ، يقع على عاتقها مهمتين أساسيتين أولهما التحضير لانتخابات تشريعية رئاسية ومجلس وطني وثانيها اعادة اعمار غزة والعمل على رفع الحصار عن قطاع غزة .

إن إقحام موضوع الحكومة "التوافقية" القادمة في جدال الاعتراف بإسرائيل من عدمه ، من شأنه أن يدخل المصالحة الفلسطينية في نفق مظلم مجددا ونعود للمربع الأول، كما أن يعمل طرف على رهن مصير ومستقبل الحكومة القادمة تحت رحمة المال الأمريكي والدولي المشروط ، فهذا أمر مرفوض بالمطلق فلسطينياً ووطنياً ، فالأجدر بنا التوحد خلف إستراتيجية وطنية موحدة والبحث عن بدائل أخرى وإيجاد شبكة أمان مالية عربية إسلامية تسد هذا العجز وتقف عند مسؤولياتها العربية والإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني الذي يدافع ليل نهار عن كرامة الأمتين العربية والإسلامية، وتدعم حكومته التوافقية الفلسطينية.

إن محاولة إقحام حركة حماس مجددا ً في هذا الموضوع على اعتبار أنها جزء أساسي في اتفاقية المصالحة الأخيرة لهي محاولة خسيسة وواضحة ولعبة مكشوفة لن تمرر بأي شكل من الأشكال، حيث أن حركة حماس أكدت وأعلنت وعلى لسان ناطقيها وقياداتها عبر مواقف رسمية في أكثر من محطة استحالة اعترافها بإسرائيل كدولة محتلة على أرضنا الفلسطينية ، وأن الاعتراف أمر غير مطروح في الماضي والحاضر والمستقبل، وأن ما يسمى بدولة الاحتلال هي دولة قائمة على الظلم والقتل والإرهاب وسرقة الأرض والمقدسات وليس لها إلا الرحيل عن هذه الأرض المحتلة ، ولا يمكن تعريفها إلا عدو للفلسطينيين، فكيف نعترف بعدو؟؟!!

كما أن موقف حماس من الحكومة التوافقية القادمة واضحاً وضوح الشمس ، حيث عبرت عن رفضها المطلق اعتراف الحكومة الفلسطينية التوافقية بدولة إسرائيل وشروط الرباعية الدولية .

على الجميع أن يدرك خطورة المرحلة التي نعيشها كفلسطينيين بدءاً من الرئيس عباس ومجلسه الثوري والمركزي ومنظمة التحرير وكافة القوى التي تنطوي تحت منظمة التحرير الفلسطينية ، أن ما تم التوافق عليه هو حكومة توافق وطني خدماتية ليس لها برنامج سياسي وليس من اختصاصها الاعتراف بإسرائيل كدولة، والغرض من تشكيلها هو توحيد الصف الفلسطيني الداخلي، لمواجهة التحديات والمخططات الإسرائيلية التي تعصف بالقضية والمشروع الوطني، لا الاعتراف بإسرائيل والشروط الرباعية التي تدعم دولة الاحتلال، وأن الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية المنصوص عليه في اتفاق المصالحة هو الذي سيحدد الموقف السياسي في هذا الموضوع.

* كاتب ومحلل سياسي

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]