يواجه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تحديات ستّ في المعركة الدائرة لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد، وهو لم يجد بعد الحلول الناجعة للتمكن من هذه التحديات وتجاوزها:

- يتمثل التحدي الأول في عدم قدرته على التملص من تأثير السياسة السعودية على خياراته اللبنانية: حتى الساعة لم تتبنَّ السعودية فكرة وصول رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وهو غير قادر على إقناعها بفصل موضوع تحالف عون مع "حزب الله" وتبنيه للمقاومة ومحاولات انتزاع مراكز وازنة في الدولة من قبضة الحريرية السياسية عن موضوع ضرورة إعادة انتظام العمل المؤسساتي في لبنان على أساس وقف المواجهة وعدم التقوقع في خانة الصراع السني-الشيعي بل التوافق بين المكونات الطائفية جميعها.

- التحدي الثاني يكمن في عدم رغبته مهادنة النظام السوري الذي لا يزال يتهمه سرّاً بتدبير إغتيال والده، حتى ولو كانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد اتهمت أفراداً من "حزب الله" بهذه الجريمة، ويعرف الحريري في قرارة نفسه أن هذا السيناريو مفبرك لعدم تمكن المجتمع الدولي من إلصاق التهمة بالنظام السوري (عن حق أو عن باطل) وأنّه كان من الأسهل والأنسب لهذا المجتمع توريط "حزب الله" في هذه القضية. وهو، أي الحريري، لم ولن يهادن النظام السوري قاتل والده، خاصةّ وأنّه منحاز للشيعة في لبنان ويريد تحجيم الدور والوزن السني فيه. وبالتالي يعتبر الحريري أنّ دعم عون للرئاسة فيه نوع من خيانة الذات وهو غير وارد طالما أن هذا الأخير هادن النظام السوري ولم يعد يعتبره عدوّاً، وبقطع النظر عن خطر العونية على الحريرية السياسية! (يعتبر الحريري أن تحول موقفه في وقت من الأوقات من سوريا وزيارته الرئيس السوري بشار الأسد ووصوله إلى حافة إبرام صفقة سياسية معه كان خطأً تاريخياً ليس مستعدّاً لتكراره اليوم).

- التحدي الثالث يكمن في رفضه التنازل للطائفة الشيعية المتمثلة بـ"حزب الله" عن السلطة المكرسة للطائفة السنية في النظام اللبناني: لا يزال الحلم أن لبنان يجب أن يكون مونت كارلو 2 السنة في الشرق (لسوء الحظ، سبقت دبي لبنان وأصبحت هي مونت كارلو 1) يدغدغ مشاعر الحريري، ويفضلّ، في حال فرضت عليه الظروف تقاسم السلطة، أن يعيد إحياء الميثاق القديم بمعادلة جديدة سنية-مارونية (وليس مارونية-سنية) على معادلة سنية-شيعية تزيد من نفوذ الشيعة في الشرق الأوسط والعالم العربي، وبالطبع يواجه الحريري مشكلة مع ذاته، إذ لا يخيّل له منطقياً، من هذه الزاوية بالذات، سوى دعم مرشح يحارب النفوذ الشيعي المتعاظم على حساب ميشال عون الذي لن يقبل بتغذية هذا الصراع!

- التحدي الرابع يكمن في ضرورة استيعاب وتحجيم القوى المتشددة التي عن يمينه والتي ساهم هو في تقويتها: لأنّ الحريري أراد من خلال تقوية هذه القوى استغلالها ووضعها في مواجهة سلاح "حزب الله"، لكنّه أدرك أنّه أخرج المارد من القمقم وفقد السيطرة عليه. وأدرك أنّه يجب عليه استعادة المبادرة وإعادة ضبط الأمور، لكنّه أصبح في موقع صعب للغاية: كيف يُبْقي على نفوذه على القوى الإسلامية وعلى القوات اللبنانية على السواء، وكيف يقنعهما بتوافقه مع عون وانتخابه رئيساً للجمهورية والطرفان على عداء تامّ، لا بل أنّ القوى الإسلامية وسمير جعجع مهددان بالتقوقع التام في حال انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية؟

- التحدي الخامس يكمن في شعوره بضرورة الوفاء المتبادل بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية وفي عدم قدرته على التملص علانية من دعم حليفه المسيحي الثابت، إذ ليس من السهل على الحريري إعادة التموضع أو الإنقلاب على مواقفه وعلى حلفائه. إنّه لا يمثل طائفة صغيرة كالتي يمثلها النائب وليد جنبلاط. ولو برّر البعض لجنبلاط إلتفافاته بحجة المحافظة على مصلحة الدروز، فلن ينطبق الشيء عينه على الحريري، أسير حجم طائفته ووزنها الحالي وأسير مصداقية إذا فقدها، ويكون بادل حلفاً استراتيجياً بتحالف مؤقت: لقد جهد الحريريون مكثفاً لإقناع قوى 14 آذار المسيحية بانتمائهم إلى "لبنان الكبير أولاً" لكي يفرط الحريري بهذه المصداقية لديها ويعرف أنّ توافقه مع عون مبني فقط على ضرورة إشتراك المكونات الطائفية كلّها في بناء السلم الأهلي ولكنه ليس توافقاً على مصلحة حزبية ضيقة وتقاسم تقليدي "لقالب الحلوى" وخيرات البلاد. وهو يخشى ألاّ يدوم هذا التوافق. كما أنّ التخلي عن جعجع لمصلحة أيّ فريق آخر في 14 آذار لا يعني سوى إطالة الوقت الضائع امام المواجهة الفعلية التي لا بد منها يوماً ما.

- التحدي السادس هو في خوف الحريري من أن تطير الزعامة السنية اللبنانية من يديه إلى الأبد في حال صوّت لصالح عون، إذ سينتج عن ذلك تقلص حجم كتلته المستقبلية وتشرذمها وتجزئتها بما لا يتوافق ومصلحة الوحدة السنية مقابل الوحدة الشيعية. وهذا التشرذم لن تغفره له الطائفة السنية وسوف تستدير نحو زعيم آخر في محاولة للمّ شملها واسترجاع نفوذها.

يحتاج الحريري لبعض الوقت لكي يتوصل إلى مخارج سياسية مشرفة لهذه التحديات. قد يستطيع إيجادها والفوز برهاناتها وقد تتعثر وتفشل محاولاته! إنّها لعبة شطرنج معقدة وكلّ خطوة يقوم بها لاعب ما قد تغيّر مجرى اللعبة بالكامل. لكن، يحلو الأمل بأنّ الأمور تسير نحو الأفضل!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]