هاتفني أحد الأصدقاء المقرّبين، بداية الأسبوع الجاري، خلال عطلة الفصحَيْن، غاضبًا ناقمًا، مُستنجدًا ومتوسّلًا أن أتابع – مُرغمًا لا مغرمًا، طبعًا – «أحدث المستجدّات والتّطوّرات التّكنولوجيّة» وأهمّ «البرامج التّثقيفيّة/التّعليميّة/التّرفيهيّة» و«النّشرات الإخباريّة» المُحدَّثَة («المُستحدَثة»)، الّتي تبثّ عبر قناة التّلفزيون الإسرائيليّ، باللّغة التّجهيليّة التّحقيريّة البدائيّة، الّتي من المفترض أن تكون بلغتنا العربيّة!
اضطُررتُ إلى الجلوس ساعات قليلة متقطّعة، أمام شاشة قناة نادرًا ما أتابع برامجها؛ من منطلقات فكريّة وثقافيّة وسياسيّة؛ لأكتشف – وبعد مقاطعة زمنيّة طويلة – أنّ عجلة الزّمن والتّطّور كفّت عن الدّوران، وأنّ تاريخ وفكر وثقافة وإنجازات شعبنا الفِلَسطينيّ مقصورة منذ عقود – وفق رؤية المثقّفين «العظماء» المسؤولين عن البرامج العربيّة في القناة الإسرائيليّة، وعقولهم «المستنيرة» – على أهمّ البرامج «التّثقيفيّة»/«التّرفيهيّة» المحلّيّة (مطعم أبو رامي)؛ و«آخر المستجدّات التّكنولوجيّة» الّتي أكل عليها الدّهر وشرب، منذ أيّام الجاهليّة الأولى! وأهمّ النّشرات الإخباريّة «العربيّة» الّتي تُعنى بالشّؤون الإسرائيليّة، من وجهة نظر إسرائيليّة بحتة.. لتستمرّ هذه الشّاشة الحكوميّة المُمأسَسة، الحاصلة على ميزانيّات جمّة والمموّلة من قبلنا من خلال فرض جباية ضريبة سلطة البثّ، بنشر ثقافة التّجهيل والخنوع والتّخلّف والإقصاء المُمنهَجة بين أبناء شعبنا، لتنافس بذلك أسوأ وأجهل وأتفه القنوات التّلفزيونيّة.
وبعد متابعة وجيزة للقناة، خذلتني الكلمات، مجدّدًا، وصعّبت عليّ مَهمّة التّعبير عن مدى رداءة وتفاهة هذا التّلفزيون الحكوميّ (المحلّيّ)، فمسلسل (مطعم أبو رامي) «التّاريخيّ»(!!) المتكرّر و«المعلوك» مرّات عدّة في اليوم، لا يرقى بالمشاهد، كما أنّ برامج «آخر المستجدّات التّكنولوجيّة» الّتي دخلت الأرشيف منذ عقود!! لا تفي بالمستوى الأدنى المطلوب حتّى لمشاهدي العصر الجاهليّ!! وبالنّسبة إلى النّشرات الإخباريّة «العربيّة» – آسف أقصد العربيّة المُدبلجة عن العبريّة!! – فحدّث ولا حرج، مُختارة ومُمأسَسة ومُمنهَجة للتّبجيل والتّهليل وكَيل المديح لحكومة إسرائيل ومؤسّساتها، وتهميش أخبار مجتمعنا العربيّ ومشاكله.
كما أنّ عددًا كبيرًا ممّا يبثّ من برامج «ثقافيّة» و«سياسيّة» و«حواريّة» و«ترفيهيّة» في هذه القناة التّلفزيونيّة الإسرائيليّة، لا يرقى بالمشاهِد، من حيث الفحوى والمستوى والمضمون والتّقديم..!
قد ينتفض البعض ويدّعي أنّني لم أجدّد شيئًا ولم أكتشف، اليوم، كوكبًا؛ فسياسة القائمين على هذه القناة التّلفزيونيّة «العربيّة» الإسرائيليّة والمسؤولين عنها، وعدد من العاملين فيها، معروفة للجميع.. وهذا صحيح. لكنّي لم أتوقّع من هذه القناة الّتي تحصل على دعم حكوميّ وتمويل بملايين الشّواقل، والّتي على مدار عقود قمنا بتمويلها ودفع ضريبة البثّ والتّلفزيون غير المُنصفة لها مقابل الحصول على أتفه البرامج التّجهيليّة، المُهينة والمستخفّة بعقول عربنا، أن تستمرّ في سياستها من دون رقيب أو حسيب.
وبعد أن كان قد أعلن وزير الاتّصالات، چلعاد إردان، إيقاف فرض جباية ضريبة التّلفزيون حتّى نهاية العام الجاري (2014)، لأنّ فرض دفع هذه الرّسوم الضّريبيّة غير عادل، بتاتًا..! تلاحق، الآن، سلطة البثّ المَدينين، مُستميتةً في الحصول على «مستحقّاتها» بكلّ وسيلة، من خلال فرض عقوبات ماليّة وتضييق الخناق وحجوزات على الحسابات المصرِفيّة (البنكيّة) والتّوجّه إلى القضاء، لجباية هذه الأموال «المستحقَّة» وفوائدها الطّائلة!
فبأيّ حقّ وشرعيّة تلاحقون المَدينين والمُستَضعفين، وكأنّكم الأبرياء المظلومون وأنتم أكبر الظّالمين المجرمين في حقّنا؟! ألم يحِنِ الوقت لتقديم المسؤولين و«كبار مثقّفينا» على هذا التّلفزيون باللّغة «التّجهيليّة» و«البدائيّة» إلى المساءَلة القضائيّة والمحاكمة، لما اقترفوه – على مدار عقود – في حقّنا من تشويه وتحقير وإهانة وتجهيل؛ ضمن برامج قمنا – على مدار سنوات – بتمويلها؟! أليس من حقّنا – كمموّلين للتّلفزيون والبثّ – أن نراقب ونستفسر عن الميزانيّات المقدّمة والمهدورة، ونحاسب المسؤولين؟!
لِمَ على المشاهد العربيّ أن يستمرّ بدفع ثمنٍ مُضاعف لسلطة البثّ، ضمن ملاحقة لتسديد الدّيون الضّريبيّة «المستحقّة»، بينما عمد هذا التّلفزيون – وعلى مدى سنوات – إلى معاقبة المشاهد العربيّ من خلال تهميشه وتقزيمه وإقصائه وتجهيله، رغم تمويل هذا المشاهد لهذا التّلفزيون، ودفعه مستحقّات ضريبة سلطة البثّ على مدار سنوات؟! ألم يحِنِ الوقت لملاحقة ومساءَلة ومعاقبة ومحاكمة مَن تجب محاكمته، فعلًا؟!
[email protected]
أضف تعليق