لا تغيب معان تلك المدينة الجنوبية عن الاخبار، وعبر عشرات السنين بقيت حاضرة، من كونها «الركن اليماني» في تأسيس الدولة، مرورا بالهبات الشعبية احتجاجا على ظروف الحياة، وصولا الى المواجهات على خلفيات منوعة.
آخرها احداث اليومين الفائتين التي ادت الى جرح ووفاة اردنيين، أكانوا من ابناء المدينة او من الدرك، لافرق بين الحالين، فكلهم ابناء وطن واحد.
ما تحظى به معان، في الاغلب، مجرد التحريض عليها، لاي سبب كان، وقد كان بالامكان معالجة ظروفها منذ زمن بعيد، والمدينة التي تغرق في فقر مدقع، وتتقاسمها اتجاهات مختلفة، من الولاء للدولة، ورموز اجتماعية، مرورا بتيارات سلفية متشددة، بقيت لا تحظى بما هو مفترض، اي المعالجة الجذرية لظروفها، بدلا من المعالجة المؤقتة، لما يجري احيانا.
من المؤسف هنا، ان نسمع كل فترة عن حوادث أمنية في معان، وما هو مؤسف اكثر، الحقيقة التي تقول ان القاتل والمقتول، والذي ينفذ القانون او يعتدي على مؤسسات الدولة، جميعهم ابناء بلد واحد، فمن يقتل من ومن يجرح من، مادمنا جميعا نخسر؟ لان الدم هنا واحد، ولا غربة بيننا تجعلنا لانعرف بعضنا البعض وسط هذا المشهد!.
من السهل جدا وصف المدينة بالمتمردة او الفوضوية او تلك التي تنزع لمصادمة الدولة، فيما المعالجات الجراحية لا تلبث ان تأتينا بمشاكل امنية واجتماعية.
هذا يقول ان ملف المدينة يجب ان يعالج بشكل جذري، على صعيد مصالحة المدينة واهلها من جهة، ثم تحسين حياة الناس، الذي يعانون من الاهمال والفقر الشديدين، وصولا الى اخراج المدينة من غيابها، وهو الغياب الذي يجعلها تعاني على اصعدة كثيرة.
علينا ان ننتبه هنا، الى المتاجرة بقصة معان ومظلوميتها، فالبعض يريد توظيف المظلومية هنا لشق الناس اكثر واكثر، ولبث السموم في العصب العام، وهذا سلوك غير اخلاقي، وقابل للانكشاف في دوافعه، لدى نهّازي الفرص من المتباكين على حياة الناس وحقوقهم.
كل ما نريده هنا، معالجة ملف معان جذريا، لان المدينة تبرق الرسائل رسالة تلو رسالة منذ عام تسعة وثمانين الى يومنا هذا، على خلفيات اجتماعية واقتصادية، تتجلى احيانا بهبات الغضب او ببروز جماعات متشددة، وبممارسات غير مقبولة في حالات اخرى.
تصير مهمة الوسطاء التهدئة هنا، بدلا من الحل الجذري، ومهمة الرموز تسييل كل علاقاتهم من اجل حل الاشكالات، وهذه معالجات قصيرة المدى، لاتؤدي الى حل عميق يفك كل العقد.
لا أحد يقبل في نهاية المطاف الخروج على القانون او اطلاق النار على المؤسسات والدرك، ولا أحد يقبل ايضا، ان تتم ادارة العلاقة عبر التعليمات والقوانين فقط، لان هناك هوة كبيرة في منتصف المسافة، تتعلق بحالة عدم الرضى التي تسود المدينة، لاعتبارات مختلفة، وهي حالة تأسست على المظالم وتراجع التنمية، والفقر والبطالة، والشعور بالتغييب .
من الاهانة هنا لاي واحد فينا النزوع للتحريض على مدينة معان، والدعوة لشعار التأديب، فهذا كلام غير لائق، ولن يؤتي الا ثمرا مرا، وبدلا من اطالة اللسان على معان، لابد من معالجة المشاكل جذريا، بدلا من اطفاء نيرانها بشكل سطحي.
هذا لا يكون الا بإخراج معان من حالة التغييب والغياب، ورد الحياة الى المدينة وحياتها واهلها، ولحظتها لن نتوقع لا هبة شعبية غاضبة، ولا هبة متشددين من اي تيار، فالعدالة والحياة الكريمة، وحدهما ينهيان النزوع الى الغضب، شعبيا، او فرديا.
كل ما نراه في معان عبر العقود الفائتة يقول ان هناك حالة من عدم الرضى، تتم بلورتها بهبات غضب شعبية، في حالات، وبتغذية الغضب التنظيمي المتشدد، وبينهما فإن القوس الاجتماعي يدفع الثمن وحيدا، لان لا أحد يفهم رسالته بشكل دقيق، وهي رسالة تقول ان الناس يعانون من الظلم والفقر وعدم العدالة، ومن الطبيعي لحظتها ان تتفلت المدينة كل فترة غضبا، واسكات الغاضب لا يكون بردعه قهرا، بل عبر حل المشاكل من جذورها.
مانخشاه هنا، ان تنفلت الامور من عقالها، ولحظتها، لن ينفع لا وسيط
ولا وجيه، وكلام العقلاء عندها لن يسمعه أحد.
[email protected]
أضف تعليق