تعتبر لغة الجسد اليوم من أهم المواضيع التي يتعامل معها الانسان عامة وكل من له علاقة بعلوم الاتصال وفن الحديث وبناء العلاقات خاصة لما تشكله من علامات فارقة في السلوك الانساني والعلوم الادارية والاجتماعية.
ولغة الجسد هي بحق لغة أخرى، ولغة عالمية محكية عبر اللمسة والنظرة وطريقة القول أو مخارج الصوت أونبرته من شدة وانخفاض أو سلاسة واعتدال أو خشونة أو تقطّع ومن مقاصد الكلمات، وما بين السطور الذي يمثله المعنى المختزن والذي قد تفضحه لغة الاشارة أوطريقة التعبير.
إن كلمة واحدة أو جملة قد تعنى معنيين متناقضين استنادا للغة الجسد وهذا ما كنت أحدث به عددا من المشاركين في دورة من الدورات التدريبية، فضحك عدد منهم فاستغليت الضحكات والابتسامات لأوجه السؤال لمن لم يبتسم أو يضحك معيدا السؤال لأصحاب التعابير أنفسهم ليفاجأوا بالتطبيق العملي لما قلته.
لقد فهم من لم يبتسم أو يضحك واحدا من أمرين الأول هو: أن من ابتسم كان لسبب عدم تصديقه لذلك أولسخريته من هذا القول، أما السبب الثاني الذي مال إليه واحد فقط فهو أنهم ضحكوا ليس مما قلته وإنما من طريقة تعبيري عن الأمر حيث أشرت بذراعي بشكل متعاكس ما أعطى الانطباع الذي فهموه استنادا لمخزون ذاكرتهم من مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) للممثل عادل امام.
أما الباسمون أنفسهم فمنهم من ابتسم كما عبّر بحكم رؤيته البسمات في وجوه الآخرين، ومنهم من غطى شروده حين سمع الضحكات بالابتسام، أما من ضحك وكانا اثنين فقال الأول ضحكت لأن ما قلته قد ذكّرني بحادثة وتنطبق على قولك والثاني ضحك على نوع ضحكة الأول التي جاءت متقطعة.
وهكذا وأنا لم أتم حديثي بعد، فإن جملة واحدة قد أخذت كل هذا الجدل، وكل هذه التفاسير لنستدل فعلا أن الكلام ليس فيما يقال فقط أو يعنى أو يؤوّل ليعني، وإنما في كيف تَفهّمه الآخرون، وكيف يجب أن نلفظه نحن ونستخدم في ذلك لغة الجسد المناسبة ليترافق الفهم مع المعنى المقصود ايصاله، فالكتابة تختلف كليا عن الحديث والحديث المسموع يختلف عن المرئي ولكلّ فنونه.
نعود لصاحبنا الذي ضحك، إذ كانت الحادثة التي جرت معه، تمثل نموذجا حقيقيا لما قلته من عبارة (كلمة واحدة أو جملة قد تعني معنيين متناقضين استنادا للغة الجسد أو لغة الاشارة) إذ يقول أنه قدم لأمه ثوبا جديدا ليصالحها على أزمة وقعت بينهما لسبب لم يذكره وكان يأمل أو يتوقع أن يبعث هذا الأمر -أي الهدية- السرور والبهجة في قلب أمه أو الرضا عليه والدعاء له أو الشعور بالامتنان والابتسام، فابتسمت أمه حتى ظن ذلك ولكنها أتبعت ابتسامتها بالقول: أن الثوب رخيص الثمن.
فكان تعليقها كمن أغرقه بدلو ماء بارد لأنه رأى في ذلك تعبيرا عن عدم القبول، أو السخرية من هديته، أو لربما عبرت بالكلمة والابتسامة المحيرة عن عدم رضاها أوبهجتها ما فهمه هو، وما لم تقصده هي، إذا أشارت لاحقا الى أنها كانت تداعبه بهذا القول وهي راضية عنه تماما.
وهنا لم يكن من الضروري أن أزودهم بأي مثال جديد، فما سبق في حقيقة الأمر يمثل تطبيقا عمليا لما يحدث بيننا عشرات المرات، فنسمع الاجتهادات والتبريرات والمعاني المختلفة والتأويلات من أصحاب الموقف نفسه، حيث يُتخم الموقف بالإسقاطات والمعاني ويشحن بالعواطف وما يشوبها من تهوين أو تضخيم أوتعديل أو اجتزاء ما تعد حقا من معيقات الاتصال عدا تأثير لغة الجسد أو طُرُق التعبير أو الجو المحيط والمكان والزمان، وحيثيته المقاصد المعلنة وتلك الخفية لما يقال أو يُفهم أو يُراد أن يفهم.
إن لغة الجسد وعلم الاتصالات فيه من الإشارات الخفية ما يفوق المعلنة، ويحتاج لغواص ماهر في بعض الأحيان ليستدل عن المعنى الحقيقي، وفي ذلك جهد للمتكلم من المفترض أن يبذله ليكون واضحا كل الوضوح فلا يساء فهمه أو تفسير قوله.
[email protected]
أضف تعليق