ما إن تلفّظ وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بلفظة "انتخابات" حتى قامت الدنيا ولم تقعد داخل وفي اطار المستوى السياسي ـ الوزاري تحديداً ـ في إسرائيل، وجاءت هذه اللفظة السحرية إثر فشل العملية التفاوضية بعدما تراجعت حكومة نتنياهو عن التزاماتها بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين وإقدام الرئيس عباس على اتخاذ قراره التاريخي بالتوجه لنيل عضوية منظمات واتفاقيات دولية، لفظة ليبرمان هذه شكلت العنوان الأبرز على التحرك الداخلي الإسرائيلي خاصة بعدما لمح ليبرمان مجدداً على أن بإمكان الإسرائيليين أن يتقبلوا رئيس حكومة ناطقا بالروسية، الأمر الذي اعتبر تهديداً واضحاً لمستقبل نتنياهو في هذه الحكومة، أو لدى الإقدام على تبكير موعد انتخابات الكنيست.
على اثر ذلك، أخذ الحديث يجري بين أمرين، اما انتخابات مبكرة، او تعديل الائتلاف الحكومي ليصبح أكثر انسجاماً، اما بشأن انتخابات مبكرة فهي التي لا يريدها أحد من أحزاب الحكومة، لأسباب مختلفة ومتباينة، اما بشأن التعديل الحكومي، فهو أكثر صعوبة، بالنظر إلى مواقف أحزاب المعارضة المرشحة للدخول بديلاً في حكومة ائتلافية معدلة، وقد يبدو الأمر، وكأن تعديل الائتلاف الحكومي هو الذي باستطاعته إنقاذ حكومة نتنياهو من السقوط، إلاّ أن الأمر على خلاف ذلك، إذ ان هذه الحكومة ليست مهيأة للسقوط على الإطلاق، على الأقل في الزمن المنظور، والحديث المتواتر من قبل نتنياهو من أن قيام إسرائيل بتنفيذ التزاماتها حول الأسرى من شأنه أن يصدع حكومته هو أحد أشكال الابتزاز السياسي الذي نجح فيه نتنياهو باستمرار، فهو يستمد طاقته وطاقة حكومته من الحديث عن خطر تصدعها، فقط لابتزاز الإدارة الأميركية لتكفّ عن الضغط عليها، ولكي تقصر واشنطن ضغوطها على الجانب الفلسطيني، لإدراكها ـ حسب نتنياهو ـ ان الضغط على الحكومة الإسرائيلية من شأنه إسقاطها، ما يشير إلى أن الضغط عليها غير ممكن ولن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة.. لذلك فإن حكومة نتنياهو لم تكن ولا تزال غير قابلة للسقوط، لأن نتنياهو عندما قام بتشكيل الائتلاف الحالي، كان يدرك "عدم الانسجام" في اطارها، وهو الأمر المطلوب حتى تظل عصا الخشية من سقوطها ابتزازاً مستمراً لعدم الوفاء بالالتزامات والاستحقاقات التي تعهد بها عندما تم استئناف العملية التفاوضية قبل قرابة تسعة أشهر.
مع ذلك، فإن الحديث عن الانتخابات المبكرة، وتعديل الائتلاف الحكومي، مجال الأحاديث والحوارات على كافة المستويات السياسية والحزبية في إسرائيل انطلاقاً من اللفظة الليبرمانية التي فعلت السحر، ونقلت الحديث عن الاستعصاء التفاوضي إلى البيت السياسي الحكومي في إسرائيل. رئيس المعارضة، رئيس حزب العمل عضو الكنيست يتسحاق هرتسوغ بدلاً من أن يعرض مشاركته في الحكومة، دعا حزبي "ييش عتيد" برئاسة وزير المالية يائير لبيد، وحزب الحركة برئاسة تسيبي ليفني وزيرة العدل رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى "الفرار" من حكومة اليمين المتطرف التي مهدت الطريق أمام فشل العملية التفاوضية، خاصة بعدما صرحت ليفني علناً أن تصريحات وإجراءات وزير الإسكان من "البيت اليهودي" بمواصلة العملية الاستيطانية كانت سبباً في وصول العملية التفاوضية إلى الفشل، لكن هرتسوغ يدرك تماماً أن ليس في وارد ليفني أو لبيد الخروج عن هذه الحكومة، وكذلك كلا الحزبين، يش عتيد والحركة، أقل حماساً للدخول في انتخابات مبكرة، قد يحصد ليبرمان فائض مقاعدهما في الكنيست الجديدة من دون أن تسنح فرصة، خاصة لدى حزب الحركة، للدخول في الكنيست الجديدة، على اثر التعديلات التي جرت مؤخراً على قانون الانتخابات.
وكالعادة، يُستدعى حزب شاس، كلما جرت أحاديث عن الانتخابات، فهو حزب سيكون بتلون الحكومات، وكان شريكاً في معظمها، وبسهولة يقدم على "مراجعات" من شأنها التكيف مع معظم الحكومات، في الائتلاف الأخير بصق نتنياهو في وجه قيادة شاس وأبعدها عن الائتلاف، ونجح في إيجاد بدائل دينية أكثر قرباً منه للمشاركة في الائتلاف القائم، شاس الآن يقيم علاقات طيبة وودية مع أحزاب المعارضة، خاصة اليسارية منها، والهدف المعلن، إسقاط حكومة نتنياهو، البعض يرى أن شاس بقيادة درعي، يحاول أن يحيط نفسه بقدر من الأهمية للضغط على نتنياهو لكي يستعيد حزب شاس مكانته في أي تعديل حكومي من خلال "الانتظام" في المعارضة، ويتكئ درعي على المعارضة اليسارية، فقط لتشكيل تكتل من شأنه أن يهدد الحكومة بالسقوط، إذا لم يبادر نتنياهو إلى تعديل الائتلاف الحكومي، والأهم من ذلك، الخضوع لابتزاز شاس للمشاركة في هذا التعديل.
والحديث عن الانتخابات المبكرة والتعديل الائتلافي ما زال مستمراً، وقد لا يهدأ بعد وقت قصير، لكن الحكومة مستمرة والابتزاز مستمر، إلاّ إذا انقلبت الموازين من خلال تشكيل تكتلات حزبية ـ مؤقتة، تهدد وتتآمر على نتنياهو، وفي كل الأحوال، يبدو أن ليبرمان، الذي يجد نفسه أكثر استقلالاً وقوة، يعتقد أن كل هذه التحركات والتقاطعات، تجعله أكثر قرباً من الوصول إلى رئاسة الحكومة نتيجة لانتخابات قادمة، أو على الأقل، يصبح الأكثر قدرة على قيادة اتخاذ القرارات الخطيرة داخل الحكومة القادمة!!
[email protected]
[email protected]
أضف تعليق