على شرف اليوم العالمي الذي أقرته الأمم المتحدّة للأطفال الذين يعانون من مرض التوحّد، وفي ظلّ انتشار المرض في إسرائيل، وكذلك الوسط العربي، ونتيجة الفهم الخاطئ والتعامل الخاطئ مع الأطفال التوحديّين، مراسلنا التقى الأخصائي النفسي توفيق قرارقرة ليحدثنا عن مرض التوحد، تعريف المرض، أسبابه، علاجه، ودور الأهل في العلاج – حيث شدّد الأخصائي قراقرة على أنّ النصف الثاني من العلاج هو تعامل الأهل مع الأطفال التوحديّين.

ما هو مرض التوحد؟

وعرّف الأخصائي النفسي توفيق قراقرة مرض التوحد، قائلا ان التوحد هو مرض من عدة أمراض تطويريّة لها قاسم مشترك هو بعض التصرفات بالسلوك، الاجتماعيات واللغة، ولكن كل مريض توحدي له علامته وعوارضه الخاصة، فعند الحديث عن المرض يجب أخذ كل مريض على حدة، لأن كل مريض له العوارض الخاصة به.

الكشف عن المرض بين السنة الاولى للولادة و3 سنوات

وأشار إلى أنّ المرض يظهر بالفترة بين أول سنة من الولادة حتى 3 سنوات، ويمكن تشخيص هذه الحالة المرضيّة خلال هذه الفترة، فيما يؤدي المرض إلى ثلاث مشاكل أساسية للطفل هي اللغة، السلوكيات والمشاكل الاجتماعية، مضيفا: "المشاكل الاجتماعية هي أهم مشكلة في مرض التوحّد وتتعلق بالتواصل مع العالم الخارجي، فالعالم يسير باتجاه والمريض باتجاه آخر، ولا يوجد أي قاسم مشترك بينه وبين العالم الخارجي يشمل العائلة والوالدين، وانقطاع التواصل يشمل اللغة، الاشارات، والتعابير، ويكون المريض معدومة لديه إمكانيات التواصل، وإن كانت فتكون خفيفة جد، فيكون لديه ألعابه الخاصة ويلتهي بها دون الادراك لما يحصل ما حوله، فلا يكترث بوجود شجار داخل العائلة مثلا، بالاضافة الى عدم التواصل بالنظر، فعندما يتحدث مع الناس لا ينظر إليهم، فأي أحد يتحدث معه لا ينظر إليه ويواصل لعبه".

مشاكل اللغة

ومن المشاكل التي يعاني الطفل التوحدي منها أيضا اللغة، بحيث تكون اللغة ركيكة جدا، فيمكن طفل عمره سنة يتكلم بعض الكلمات، وفي عمر سنتين لا يستطيع حديث جملة كاملة ومفيدة، وأحيانا يتحدث بكلمات لا مغزى لها، ويقوم بترديد كلمات سمعها من قبل ولا ينساها، ويكررها كل الوقت. وعن السلوكيات، قال أن الطفل يكون هادئ أكثر من اللازم، وأيضا يكون عدواني، ولكن توجد حركات تعيد نفسها باستمرار، فمثلا أن يقوم بفرك أنفه كل الوقت وبشكل دائم.

مشكلة عدم تشخيص المرض في المجتمع العربي 

وتطرّق الأخصائي النفسي إلى مرض التوحّد بشكل عام في إسرائيل، ومقارنته بين الوسط العربي واليهودي، مؤكدا أنّ مرض التوحد بالوسط العربي من أقل النسب الموجودة عالميا وحتى على مستوى إسرائيل، ومن الأسباب معرفتنا الضئيلة لمرض التوحد وإمكانيات الاكتشاف المبكر للمرض ضئيلة، وأيضا التقارير تكون بالوسط العربي غير متكاملة، وعلى هذا الأساس يكون أقل لدى العرب، أي أنّ تشخيص المرض ومتابعته وعلاجه أقل!.

أما لدى الوسط اليهودي الإمكانيات لتشخيص المرض هي أكثر، من حيث إجراء الفحوصات للطفل في حال الانتباه لأي أمر غير طبيعي، والواضح أيضا أن لدى الشكناز تشخيص المرض واكتشافه أكثر من الشرقيين، وفي المركز نسبة المصابين بالمرض أكثر من المناطق الريفية، وفي تل أبيب يتواجد أكثر الاطفال المصابين بالتوحد في إسرائيل – فعلى ما يبدو فإن الثقافة والمستوى العلمي يختلف من مسببات تشخيص المرض واكتشافه. ومن المعلومات التي تثير الفضول أيضا، فالمرض على ما يبدو بأنه ذكوري، فعدد الأطفال الصابين بالتوحّد من الذكور أربعة أضعاف من الإناث، حيث أنّه بين خمسة أطفال مصابين بالمرض يكون أربعة ذكور وأنثى!.

فرضيات المرض

وعن أسباب المرض وطرق علاجه، قال الأخصائي النفسي توفيق قراقرة لمراسلنا أنّه حتى اليوم لا يوجد أي سبب قاطع للتوحد وكل المسببات هي عبارة عن فرضيات، هناك من يرى أن الزواج بجيل متأخر من أسباب مرض التوحد، إنجاب الأطفال بجيل متأخر، وأيضا أي مشاكل تعاني منها الحامل خلال فترة الحمل والمخاض قد تؤدي لإصابة الطفل بمرض التوحّد. ومن المسببات التي يعتقد بأنّها مسببة للمرض: التهابات وفيروسات، هناك من يرى بالعامل الوراثي بحيث أنّ بحوثات طبية رأت أنّ الطفل الذي أصيب بالتوحد يرفع من نسبة ان يكون طفل آخر من نفس العائلة لديه نفس المرض وهنالك أبحاث علمية تحاول إثبات أن عاملا وراثيا يسبب مرض التوحّد.

ومن الأسباب أيضا قال الأخصائي قراقرة أنّ البيئة أيضا تشكل عاملا للإصابة بالمرض، فالتلوثات البيئية الموجودة قد تكون سبب - وكذلك نقص المناعة عند الإنسان يسبب بالتوحد، هنالك أطعمة معينة، فكثرة الجولوكين والبروتينات في الطعام قد يزيد من احتمال التسبب بالمرض، أسباب أخرى هي بيوكيميّة – فبحث أجري لدى المصابين بالتوحّد وجدوا أن مادة السيال العصبي (التي تفرز لنقل الإشارات العصبيّة بين كل خلية عصبيّة وأخرى حتى تصل الدماغ وهي المسؤولة عن أي ردة فعل للإنسان من فرح وحزن وخوف وغيره..) هذه المادة تفرز بشكل أكبر لدى مريض التوحّدي، فهناك من الابحاث التي قامت بحقن المصابين بالمرض بلقاح يخفف تخفف من إفراز المادة وساهم في العلاج.

قضيّة أخرى على الأهل الانتباه لها جيّدا هي أنّ الطفل التوحدي لا يخاف، فاللوزة (تقع في الدماغ وتفرز هورمونات الخوف والسعادة) فيها خلل عضوي وهذا يمنع وصول المؤثرات الخارجية إلى الإنسان وتنبهه من الخوف، فالتصرفات العدوانية التي قوم بها الطفل تكون بدون أي خوف مثل العض وحمل آلات حادة والقيام بأعمال تعرض حياته للخطر - كلها دون أن يخاف.

العلاج

وأما عن العلاج، قضية التعامل مع المرضى التوحديين مشعبة ومعقدة – يقول قراقرة، مضيفا أنّ هناك مجالات علاجية لتحسين السلوكيات والعلاقات الاجتماعية من خلال الادوية - ولكن هذا كله نصف العلاج، والنصف الآخر هو الأهل - والطفل لا يأخذه (معلّقا قراقرة).

وأضاف: "على الأهل أن يعرفوا جيدا، عليهم بالتثقيف، ما هو المرض، عوارضه مسبباته وأسبابه، ففهم المرض يسهل بالتعامل، وفي الوسط العربي لا يوجد إطار علاجي للأهل – وهنا يجب توفير إطار علاجي للأهل من أجل إرشادهم حول كيفيذة التعامل مع المرضى التوحديين، وقلّة التثقيف لدى أي عائلة لديها طفل مصاب بالمرض سيجلب لديهم حالات نفسية صعبة من اكتئاب وحزن وتأنيب الضمير وغيرها من التأثيرات السلبية نتيجة إصابة طفلهم بالمرض، وهنا على الأهل أن يدركوا وضعيّة ابنهم حتى يعرفوا طريقة التعامل، فمرض التوحد لكل طفل يوجد حالة خاصة له والعلاج غير مناسب لكل الأطفال التوحديين، فكل طفل لديه حالة خاصة".

واستعرض قراقرة نوعا من التصرفات مع الأطفال التوحديين على الأهل معرفة التعامل معها، فنمط حياة الطفل التوحدي يختلف، وعلى الأهل أن يتفاعلوا ويتعاونوا معه، مثل شراء الألعاب الخاصة له - لا يجب تغيير نمط حياته وفرضها عليه لأنّ الأمر سيؤزّم المرض ويتسبب له بأعراض نفسية اضافية، وعلى الأهل ان يكونوا حذرين بكيفيّة التعامل، بحاجة إلى ألعاب بسيطة غير معقدة وأيضا يحبها.

تصرفات معينة بالبيت، لا يجب أن نقول للطفل ما قمت به غلط، بل أيضا أن العمل الذي قام به ممتاز بابتسامة وتشجيع، ويبدأ علاج الاهل بمحبة وتسامح وتقبّل سلوكياته وعالمه الخاص – فهو ينتبه رغم ذلك لأي كلمات يتحدث الاهل بها عنه من وراء ظهره.. فهو سينتبه ويتأثر دون أن يلاحظ أحد ذلك، فالطفل التوحدي يسمع لكن مشكتله هي التواصل لذلك لن يجيب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]