وصل إلى موقع "بكرا" اليوم الموقف الرسمي الصادر عن لجنة العدل والسلام المنبثقة عن مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة حول سؤال يطرح من قبل الكثيرين في الأونة الأخيرة وهو، هل المسيحيون مضطَهَدون في العالم العربي؟ ونقوم في موقع "بكرا" بنشره كما هو:
ترى في المسيحين، كفرة
الكلّ يتكلَّم اليوم على الاضطهاد، وفي بلدان كثيرة في الغرب يتكلمون على اضطهاد المسيحيّين في الشرق الأوسط. ما الذي يجري بالضبط؟ أهو اضطهاد للمسيحيين فقط؟ أم هي حالة اضطراب واضطهاد عامة تطال الجميع؟ ككنيسة ومسيحيين علينا أن ندرك ما يجري في المنطقة وأن نعبِّر عنه كما هو في كامل حقيقته.
لا شك أنّ قوى راديكالية مدمِّرة انطلقت مع الثورات الحديثة التي عرفت في البدء باسم "الربيع العربي"، واحدثت، باسم تفسير سياسي للإسلام، دمارا كبيرا في عدد من بلداننا في الشرق الأوسط، ولا سيما في العراق ومصر وسوريا. ولا شك أنّ العديد من تلك القوى المتطرّفة ترى في المسيحيين أقوامًا كافرين، أو أعداء أو عملاء لقوى أجنبيّة، أو هدفًا سهلًا تسطو عليه.
المسيحيون يتعرضون للعنف مثلهم مثل غيرهم
لقول الحقَّ يجب أن نقول إن المسيحيين ليسوا وحدهم الضحيّة، بل هم ضحية بين ضحايا عديدة لهذا العنف ولهذه الوحشية. المسلمون المعتدلون، كل الذين يقال فيهم إنهم "هراطقة" أو "منشقّون" أو فقط "غير ممتثلين للأعراف"، كل هؤلاء، في الفوضى القائمة، عرضة للاعتداء ويُقتلون. وحيث السُّنّة هي الأكثرية يُقتَل الشيعة. وحيث الشيعة هي الأكثرية يُقتَل السُّنَّة. نعم المسيحيون يُستهدَفون لأنهم مسيحيون، ولأنهم مختلفون في معتقداتهم، ولأنّه لا حامي لهم. ولكن ما يصيبهم هو ما يصيب غيرهم من موت ودمار في أيام الموت والدمار التي نعيشها. ومثل غيرهم ومع غيرهم يهجَّرون من بيوتهم، ومثل غيرهم يصبحون لاجئين في بلدان غريبة لا حول لهم ولا قوّة.
الأنظمة السابقة حمت الأقلية المسيحية
هبَّت رياح الثورات على بلداننا، لأن جميع شعوب الشرق الأوسط ظنَّت أنها ستبدأ عصرًا جديدًا من الكرامة والديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. وزالت الأنظمة الاستبدادية التي كانت تضمن "القانون والأمن"، ولكن بثمن باهظ من الحكم العسكري وقمع الحريات. ومع زوالها زال القانون والأمن. كان المسيحيّون يعيشون بالأمن والأمان في كنف تلك الأنظمة الاستبدادية. وكانوا يخشون زوالها، خوفًا من أن تعمّ الفوضى بعدها، أو تستولي على السلطة مجموعات متطرفة تحمل معها العنف والاضطهاد. ولهذا حاول بعضهم الدفاع عمّا مضى. والآن يجب أن نقول إن المسيحييّن، إخلاصًا لإيمانهم وللحقيقة، بل وإخلاصًا لتلك الأنظمة التي وفَّرت لهم "القانون والأمن"، كان من واجبهم أن يقولوا كلمة حق لتلك الأنظمة وينادوا بالإصلاحات الضرورية، مع بعض من تشجع من المسيحيين والمسلمين من قبل وطالب بالإصلاح وبمزيد من العدل واحترام حقوق الإنسان.
فتنة يجب وقفها
إننا ندرك كلّ الإدراك مخاوف ومعاناة إخوتنا المسيحيين، الذين فقدوا، في العنف الدائر، أفرادًا من عائلاتهم أو هُجِّروا من بيوتهم. ويحق لهم أن يطالبونا وأن يعتمدوا على تضامننا وصلواتنا، في الشدة التي يمرون بها، حيث أصبح عزاؤهم الأوحد في كلمة السيد المسيح لهم: "طوبى للمضطهدين من أجل البر فإن لهم ملكوت السماوات" (متى 5: 10). ولكن، مع رؤيتنا هذه الشدة القصوى، نقول إنّ بعض "الجماعات"، هنا أو في الغرب، التي يحلو لها أن تكرر إن المسيحيين في الشرق الأوسط مضطهدون، إشارة إلى ما يلاقونه من آلام في وسط موجة العنف التي تعم المنطقة، لا يفيد سوى المتطرفين، هنا وفي الخارج. هؤلاء نواياهم فتنة ومزيد من الفساد والكراهية بين الشعوب والديانات. نحن نقول إن هناك معاناة حقيقية وشدة يمر بها المسيحيون في الشرق الأوسط، ولكن ليس المسيحيون فقط بل المنطقة كلها. والمنطقة كلها بحاجة إلى نوايا صادقة وقوية لتحرر المنطقة والمسيحيين فيها.
المسيحيون والمسلمون العرب معًا
اليوم، حان الوقت لكي يقف المسيحيون والمسلمون معا في كل مكان، لمواجهة هذه القوى المتطرفة والمدمِّرة: لأنّ المسيحيين مهدَّدون، وكذلك العديد من المسلمين مهدَّدون، من قبل تلك القوى التي تريد أن تخلق مجتمعا لا مسيحيين فيه، وحيث القليل من المسلمين سيشعرن أنهم فيه مطمئنون. كل من يعمل في سبيل الكرامة، والديموقراطية، والحرية والازدهار هو هدف وضحية. الحماية هي الوقوف معا وأن نقول معا كلمة حق وحرية.
ويجب أن نعرف، نحن المسيحيين والمسلمين، أن لا أحدا من الخارج، سيحرك ساكنا ليحمينا. نحن وحدنا نحمي أنفسنا. فيحب أن نكيف أنفسنا مع واقعنا حتى ولو كان واقع موت، ونتعلم معا كيف نخرج من خلال الاضطهاد والدمار إلى حياة جديدة كريمة لنا ولكل بلداننا. معًا، يجب أن نبحث عن كل من يريد مجتمعًا حيث المسلمون والمسيحيون (واليهود أيضا) يكونون مواطنين، ويعيشون معا، ويبنون معا مجتمعا حيث تقدر أجيال جديدة أن تعيش وتزدهر.
وأخيرا، نصلي من أجل الجميع، من أجل كل الذي يضمون جهودهم إلى جهودنا، ومن أجل الذين يسيئون إلينا اليوم، بل ويقتلوننا. نصلي ليمنحهم الله أن يدركوا الصلاح الذي وضعه في قلب كل إنسان، ولكي يحوِّل الله كل إنسان إلى إنسان محبٍّ لكل إنسان، على مثال الله خالق الإنسان ومحب البشر أجمعين. وإن حمايتنا في الله وحده، وعلى مثال ربنا وسيدنا يسوع المسيح نبذل حياتنا في سبيل من يضطهدوننا، وفي سبيل المحبة والحقيقة والكرامة.
إلى هنا نص الموقف كما جاء "بكرا".
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
نعم الارهاب يطول الجميع, ونعم يقتل ويهجر اناس عدة, ان كانوا مسيحيين او مسلمين على اختلاف طوائفهم. ونعم تقصف المساجد والكنائس. ولكن السؤال هل الوجود الاسلامي المشرقي مهدد ؟!! طبعا لا ! فالمسلمين اكثرية عددية غير ممكن ان تتلاشي من هذه المنطقة. ولكن عندما ننظر الى اضطهاد المسيحيين فحتما ندرك ان الوجود المسيحي المشرقي مهدد. ان تعداد المسيحين اخد بالانتقاص بصورة مخيفة. والتجربة التاريخية تعلمنا ان عودة المهجرين المسيحيين هي حالة شبه معدومه ... اننا نحو شرق خال من المسيحيين ! الويل لشرق كهذا .. شرق احادي الهوية .. شرق ناكر للدور المسيحي بنهضته .. لن تقوم قائمة لهذا الشرق بدون المسحيين ... ولكن للاسف لا نرى سوى جهات مسيحية تذكر وتنادي بهذا ,, تارة تحت عنوان اضطهاد المسيحيين وتارة كمثل محاولة لجنة العدل والسلام هذه ! اين الصوت المسلم المعتدل ؟ لماذا على المسيحي ان يقول دائما "هؤلاء لا يمثلون الاسلام" ؟! لم أرى موقف اسلامي جريئ وكأن لا يهمهم افراغ الشرق من مسيحييه.