منذُ نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وحالُ الفلسطينيين أسوأُ حال، إذ نجحت مؤامرة السطو على الأرض واحتلال البلاد بتدبيرٍ أجنبيٍ عربي صهيوني، وكانت أساليب الاحتلال هي القتلُ والبطشُ والنهبُ وسلُب الأرض وانتزاع الملكية الفردية، والتهجير.
وحينَ عزّزت الحكومة الإسرائيلية، قوتها العسكرية، استماتت على المزيد من السلبِ والنهب، واقتطاع الأراضي ومصادرتها، هذه السياسة العنصرية، منذ ولادتها، خنقت الفلسطيني وزادته غضبًا ومرارة وأسى، وظلّ يُصارِع على ما تبقى له من أرضٍ وخيراتٍ وقوتٍ يسدُ الاحتياجات العائلية، لكنّ حقدًا دفينًا، وجرائم متتالية منذ النكبة وحتى العام 1976، شحنَ الفلسطيني بشحناتٍ مِن الرفضِ والمواجهة، وكانت الشرارة التي انطلقت بقوةٍ، ووحدةٍ بعد سنواتِ بؤسِ، يومَ مقتل ستة شهداء، هم: رجا أبو ريا، خضر خلايلة، خديجة شواهنة – وثلاثتهم من سخنين، وخير ياسين من عرابة، كما استُشهد محسن طه من كفر كنا، ورأفت زهيري من مخيم نور شمس في الطيبة، وجُرح نحو 50 شخصًا، واعتقل 300 شخص كما سُجلت مئات حالات الاعتداء والعبث بالممتلكات.
نارُ الوجعِ على الدماءِ حوّلت بكاء الضحيّة إلى صراخ، والألمَ حولته إلى ثورة أشعلَت الجليل بالتحدي والنضال، إذ قررت الجماهيرُ العربية المشاركة في تظاهرة جبّارة تنطلق من قرى البطوف عرابة، سخنين ودير حنا، احتجاجًا على الدماءِ التي سقطت على أرض فلسطين، كان ذلك في العام 1976، حينَ حوّل الجيشُ - الذي انتشرَ في "منطقة رقم 9"، وهي منطقة المل، ومساحتها 60 ألف دونم، تابعة لأهالي قرية عرابة – حوّلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، وقتل ستة فلسطين، ونُشرت الدبابات قرب بيوت الفلسطينيين في البطوف، الأمر الذي جعل الجماهير العربية الفلسطينية تتحدى الحكم العسكري، وتنطلق بمظاهرات جبارة في منطقة البطوف، هكذا نجح الإضراب العام الذي دعت إليه لجنة الدفاع عن الأراضي.
الجماهير الفلسطينية في الداخل تلبي نداء الواجب
قادت الجماهير العربية، نضالاً هامًا في التصدي لمخططات مصادرة الأراضي التي انتهجتها اسرائيل قبل العام 1976، وفي الثلاثين من آذار، في يوم الأرض الأول، خرج الفلسطينيون بصورةٍ عفوية إلى الشوارع، للتعبير عن مشاعر السخط على سلب الأراضي العربية خاصةً في منطقة البطوف (سخنين، دير حنا وعرابة).
ورغم التمرد والقوة التي ميّزت الفلسطينيين منذ ذلك اليوم، إلا أنّ حكومات إسرائيل لم تعتبِر، مِن العصيان المدني، والتحدي الكبير الذي قادته الجماهير الفلسطينية، بل إنّ سياسة الدولة استفحلت أكثر، وصارت أكثر شراسة، وأصبحت الدولة أكثر ذكاءً، بحيثُ تمارِس أساليب الخداع، والسلب المبطّن، حيثُ تنفرد بكلِ بلدة على حِدة، وتفحص نبض الشارع، ومدى قوته وإيمانه بوحدته، وهكذا تفعل على تمزيق الشعب الواحد، هكذا حاولت أن تفعل في النقب، بأن تستفرد بِه، وتقصيه عن الجليل والمثلث، لكنّ الفلسطينيين صاروا أكثر وعيًا ووطنية وجرأة مِن سنواتٍ طويلة سبقت.
سياسات إسرائيل تقضي بتشتيت الشعب الواحد
وفي الوقت الذي تحاوِل فيه السياسة الإسرائيلية تعزيز الوجود اليهودي وفرضه على الفلسطيني، كما تفعل من خلال مخططات التهويد في الجليل ومدن الساحل: عكا، يافا، حيفا، ومدينتا اللد، الرملة، والأكثر مِن هذا أنها تُسعى بخبثٍ مبطّن أن تشحن العربي بأدوات الجريمة، من خلال تسليح مجرمين، وقتلى، ومدهم بالمخدرات التي تُميت الفلسطيني لكن ببطء. وإلى جانب هذه الجرائم التي تسعى إسرائيل لتعزيزها في البلدات العربية، فإنها تتباهى بقوانينها العنصرية، وبالأخلاقيات المهزوزة مِن خلال الاستمرار في فرض قوانين تُعرّي إسرائيل مِن الإنسانية، مثل قانون لمّ الشمل، ويهودية الدولة، والاعتراف بالنكبة وفرض التجنيد على المسيحيين والدروز، ألفُ قانونٍ واقتراح قانون جاءَ بِه إسرائيليون عنصريون، كي يفقدوا المعاني الإنسانية قيمتها والمساواة حاجتها في أرضٍ، سُلبت وقُتل وشُرد أهلها وسُلبت معظم أراضي الفلسطينيين فيها، واستطاعت الحكومات المتعاقبة أن تزيد مِن جرائمها، لكنها لم تستطع أن تجعل الفلسطيني ينسى حقه في العيشِ بكرامة فوق أرضه، مهما زاد الاحتلالُ قسوةً وعنصرية.
الأرض والمسكن: وجودٌ وصمود
معركة يوم الأرض، ما سبقها، وما لحقها من محاولات لاقتلاع الأرض واغتصابها مِن أهلها الفلسطينيين، ما هي إلا حرب وجودٍ وبقاء، يستميت الصهيوني لانتزاع الأرض، ويُصارع الفلسطيني كي يُحافظ على ما تبقى، وفي إسرائيل اليوم، هناك 1200 مدينة وقرية يهودية، بينما يتملك العرب 108 بلدات عربية، أي ما نسبته 9% فقط، علمًا أن نسبة العرب هي 23%، من مجموع عدد السكان في البلاد، وعكس المطلوب فإنّ إسرائيل قامت ببناء مدينة عربية جديدة مثل "رهط" في النقب، لحل مشكلة الإسكان وتلبية الحاجة المتزايدة بسبب التكاثر الطبيعي، وإنما لإزالة بلدات عربية صغيرة ومتفرقة، بما فيها بعض تجمعات القرى غير المعترف بوجودها، والسعي لنقلها إلى بلدة واحدة جديدة، لتقليص المناطق ومنع انتشار العرب وتوسعهم. كما بيّنت الأبحاث والاستطلاعات العلمية أنّ 28،2% من الأسر العربية في إسرائيل تعرضت لسلب ومصادرة أرضها، و13،4% منها فقدت بيوتها (من خلال التهجير أو الهدم)، و17.2% من الأسر القاطنة اليوم يعود أصلها إلى قرى مهجّرة ومهدمة قامت على أرضها مستوطنات يهودية، أو تحولت إلى أراضٍ زراعية وأحراشًا وحدائق ومتنزهات وطنية عامة أو محميات طبيعية، يتمتع بها اليهود.
إسرائيل تتنصل مِن التزاماتها
وإلى جانب تملّص الدولة مِن التزاماتها تجاه مواطنيها، وعدم الملائمة بيَن الديمقراطية التي تنادي بِها إسرائيل، وبينَ تطبيقها على أرض الواقع تجاه العرب الفلسطينيين في الداخل، إلا أنها أيضًا تتنصّل وتُسيء إلى كل المعايير الدولية التي تسعى الحكومات التي تحترم نفسها على تطبيقها، أما في إسرائيل فإنّ الحكومات المتعاقبة، اعتادت أن تَعِد بتحقيق سلامٍ عادلٍ وشامل، ولم تفعل، وقد تصرفت بخبثٍ ودهاء تجاه الفلسطينيين طوال عقودٍ خلت، وفي النهاية، كان لإسرائيل الدور الأبرز في القضاء على الأمل بمفاوضات عادلة، حين حاصرت الرئيس الراحل ياسر عرفات، بعد أن تخلت عن وعوداتها السابقة.
وحتى اليوم، لا تزال هذه الدولة، تراوِغ، وتقف مكانها وتحل نفسها مِن أيِ وعدٍ بالالتزام، كما فعلت خلال الأسبوع الأخير، حين تخلت عن الإفراج عن الدفعة الرابعة مِن الأسرى، وفي حين تفخر حكومة نتنياهو وشركائها المتطرفين بوصولهم إلى هذا القرار، فإنّ وجه إسرائيل الأسوأ وغير الأخلاقي يبرُز، حيثُ تأمَلَ كُل فلسطينيٍ وعربيٍ أن يتحرر الأسرى مِن زنازين الاحتلال، الذي يُسيءُ تعاملهم، ويحرمهم مِن حقهم بالحياةِ والأمل، وها هو يُطفئ أحلامًا وآمالاً كثيرة نمت في صدور أسرٍ فلسطينية، تأملّت أن تفرحَ قريبًا بحلمِ العودةِ إلى الديار وحضنِ الأرض الفلسطينية الغالي. هذه هي إسرائيل، تغتالُ الفرح، كما اغتالت فلسطينيين كثُر بينهم أطفالٌ لا ذنب لهم سوى أنهم مِن أرضِ فلسطين.
عن ضرورة المُشاركة الجماهيرية في يوم الأرض
ولن تستطيع سياسة حكومات إسرائيل، أن تحرم فلسطينيًا مِن حقه في أرضه، وإيمانه بوحدة هذا الشعب، الذي ذاق الويلات، واليوم، في الذكرى الـ 38 ليوم الأرض الخالد، تُحقق الجماهير العربية بسيرها جنبًا إلى جنب، رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، شيبًا وشبانًا، في مسيرةٍ وحدويّة، فإنّ حُلم الفرحِ قريب، وخيبة حكومة نتنياهو أكثر مِن أيِ يومٍ مضى، فلتبقى الأرضُ رمزًا للصمود والبقاء، ودرسًا في معنى الكرامة، تعلمناها مِن شهداء وأبطالٍ كان لهم دورًا بارزًا في التصدي والنضال، وهُم كُثُر.
[email protected]
أضف تعليق