منذ بدء الاحتجاجات ضد نظامه في العام الماضي، اظهر رئيس الوزراء التركي تراجعا متدرجا في قدرته على ضبط النفس والدفاع عن نظامه بالحجة السياسية والذرائع القانونية والدستورية. وبعدما فشل استخدام القوة واتهام المعارضين بنشر الفوضى في العاصمة والمدن الرئيسية، في وقف تظاهرات التنديد بفساد حكمه وتجاوزاته، كشف اردوغان اليوم عن ضيقه بالحريات العامة وتبرمه بقدرة وسائل الاتصال الحديثة على نشر فضائحه وحشد الرأي العام ضده، فقرر اغلاق موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي مضيفا "انجازاً" جديدا الى سجله في التضييق على الاعلام التركي خصوصاً ومعارضيه بشكل عام.

لكن اخطر ما في خطوته هذه اظهارها الطبيعة الفعلية للفكر الذي يتحكم بحزب اردوغان وحكومته، حين قال انه "لا يأبه بما سيقوله المجتمع الدولي"، علما انه بنى كل سمعة نظامه على محاباة الرأي العام العالمي لاقناعه بـ "اعتداله" وقدرته على "الحوار" وتسويق فكرة "عدم التعارض" بين الاسلام السياسي والديموقراطية.

وقد جسد بقرار المنع السلوك الغالب على جماعة "الاخوان المسلمين" التي تعجز عن المشاركة ولا تقبل بغير الاستئثار والتفرد والهيمنة وسائل للحكم، وبغير الاقصاء سبيلا للتعامل مع الآخر، مثلما تبدى ذلك بوضوح في مصر، وحتى في صفوف المعارضة السورية التي لم تحكم بعد.

ولو ان اردوغان لم يفقد اعصابه بسبب فضيحة تورطه شخصياً في الفساد بعد مضي اسابيع فقط على فضيحة مماثلة طالت عدداً من وزرائه المقربين ومستشاريه، لأدرك ان قراره بحجب "تويتر" لن يستطيع منع المعارضين من استخدام وسائل اتصال اخرى. وهو قال انه "لن يترك الشعب التركي يقع أسيراً ليوتيوب وفايسبوك" ايضا، بما يعني انه مستعد للمضي في هذا الطريق حتى النهاية، وربما سيكون مضطراً لأن يححب شبكة الانترنت بكاملها ويحرم تركيا من اي اتصال في الداخل او بالعالم الخارجي، بل ربما قطع الاتصالات بالهاتف النقال ولاحقا بالخطوط الثابتة وكلف الشرطة باسقاط اي "طير زاجل" في اجواء البلاد.

واحرج زعيم حزب "الحرية والعدالة" حتى حليفه ورفيق دربه عبدالله غل المنتمي الى "الجماعة" نفسها، بعدما سعى طوال الفترة الماضية الى التخفيف من تأثير قرارات اردوغان واحتواء ردود الفعل عليها، وفي الوقت نفسه تبريرها وجعلها مقبولة من الاتراك والخارج، لكن مغالاته هذه المرة اضطرت الرئيس الى ابداء معارضته ولو بخجل.

انه ضيق الافق نفسه الذي يتحكم بسياسات جماعة "الاخوان" اينما كانت، لكن ما قام به اردوغان لم يسبقه اليه احد. بما في ذلك الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي ما ان تسلم السلطة حتى وضع نصب عينيه الغاء اي قوة سياسية اخرى والهيمنة على القضاء والجيش و"أخونة" مؤسسات الدولة اقتداء بنظيره التركي، لكنه أزيح عن الكرسي قبل ان يصل ربما الى تقييد الاتصالات واقفال المواقع الالكترونية.

بعد اثني عشر عاما في الحكم لم يعد اردوغان قادراً على الحفاظ حتى على اسم حزبه، اذ لم تعد سياساته وقراراته تنطوي على اي نوع من الحرية او العدالة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]