تُعد حالة الإرهاب التي تمارسها "المعارف" الإسرائيلية وبعض أدواتها من الموظفين في مدارس القدس المحتلة جزءاً من سياسة متسارعة تستهدف إكمال حلقة تهويد القدس العربية، فسلطات الاحتلال تنفذ سياستها التهويدية منذ سنوات طويلة للوصول إلى نقطة تكون فيها الثقافة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني جزءاً من الماضي في ذهنية الطلبة المقدسيين لصالح التاريخ اليهودي والدولة اليهودية.
في إحدى مدارس القدس المدارة من قبل "المعارف" الإسرائيلية وبعض الأدوات العربية الجاهلة أو المغيّبة عن الحقائق والتي لا ترى أبعد من مصالحها المادية والوظيفية جرى حدث بمجمله يُعبر عن حالة التردي التي وصلت إليها المدارس المقدسية التابعة لبلدية الاحتلال أو "المعارف".. ما حدث هو أن مُدرِّسة مقدسيّة ربما تشبعت الوطنية منذ طفولتها وخلال مسيرتها الجامعية ليبرز هذا خلال عملها في المدرسة التي اختيرت لتكون معلمةً للتاريخ فيها ومشرفة تربوية، أيضاً، لعدة مدارس تديرها "المعارف".
تقول هذه المعلمة: منذ اليوم الأول لعملي لاحظت أن كل شيء مراقب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة... سواء من خلال تدخل أمن الاحتلال الإسرائيلي في سير العملية التربوية، وترهيب الأساتذة والطلبة ومنعهم من الخوض في قضايا وطنية فلسطينية بأي شكل من الأشكال... أو من خلال المناهج المشوهة من قبل الاحتلال والتطرق لبعض الأحداث فيها كما وردت دون شرح أو تفصيل أو حتى إعطاء فرصة للطلبة للاستفسار أو المناقشة... أو بشكل غير مباشر من خلال بعض الموظفين الضعفاء وطنياً والمحاصرين بمصالحهم الشخصية وبرتبهم الوظيفية، والذين يعملون كمراقب مستمر، يقيّمون، ينتقدون، ويحاولون بكل السبل منع الأساتذة، أيضاً، من التطرق إلى أي مادة دراسية لها بعد وطني فلسطيني.
تواصل المعلمة سرد روايتها وتقول: اعتبر كثيرون أن وظيفتي فرصة لا تكرر... إلا أنني منذ اليوم الأول لم أحاول الابتعاد ولو للحظة عن ضميري الوطني وقضية شعبي... فقررت المواجهة وبدأت أطرح أسئلة حول صلب القضية الوطنية ومن خلال المنهاج... وعلى سبيل المثال عندما تذكر منظمة التحرير الفلسطينية ولو بشكل عرضي كنت أصرّ على مناقشة الموضوع مع الطلبة... حتى جاءت اللحظة الفاصلة، والمساومة بين وطنيتي أو وظيفتي... لم أناقش أو أفكر كثيراً لأن الوطنية هي حياة الإنسان وتاريخه ومستقبله وسيرته الشخصية...
قبل عشرة أيام، استشهد طالب من جامعة بيرزيت هو ساجي درويش... وخلال الحصة الدراسية تعرضنا لاستشهاد ساجي... حين مرت مديرة المدرسة ووقفت خلف الباب تستمع إلى الحصة... وما يدور فيها، وبعد انتهاء الحصة بدقائق، أحضرت إنذاراً مكتوباً يفيد بخلل كبير في الحصة، لأني خرجت عن المنهاج وتطرقت لقضايا ممنوعة وفق تعليمات الاحتلال!.
تقول المدرّسة: القرار كان جاهزاً في غرفة المعلمين، مزقت ورقة الإرهاب الإسرائيلي وقذفتها في وجه المديرة، وقدمت استقالتي، وأكدت أن وطنيتي لن تباع أو تشترى... وغادرت إلى غير رجعة... وتضيف: زملائي من المعلمين والمعلمات اتصلوا بي هاتفياً مشيدين بموقفي ووطنيتي، مشيرين إلى أنها عبّرت عما يشعرون به...
هذه القصة تؤكد أن الاحتلال من خلال سيطرته على مدارس القدس وفرضه المنهاج الإسرائيلي بالتدريج... يهدف بالأساس إلى تحقيق فكرة يهودية الدولة من خلال التركيز فقط على التاريخ اليهودي و"أرض الميعاد" وربما التطرق إلى الوجود الفلسطيني كمجموعة من الغرباء المقيمين على الأرض التي ليس لهم حق فيها! فهل انتبهت قياداتنا وخاصة التربوية إلى خطورة الوضع وهل بدأنا فعلاً بتحصين طلبتنا المقدسيين ثقافياً ليكونوا سداً منيعاً أمام توجهات الاحتلال الجديدة... أم أن المحظور سيقع لصمتنا أولاً، وجهل بعضنا ثانياً... وضعف الحسّ الوطني في زمرة لا ترى من حياتها سوى المأكل والمشرب!.
[email protected]
أضف تعليق