تقع مدينة يبرود في محافظة ريف دمشق، وتبعد عن العاصمة السورية دمشق حوالي 80 كلم شمالاً، وعن مدينة حمص 80 كلم جنوباً. هي مدينة متمركزة في قلب سلسلة جبال القلمون الحدودية مع لبنان. يحدها كل من بلدات فليطة ورأس العين ورأس المعرة، عسال الورد والجبّة والصرخة. ترتفع يبرود نحو 1450 متراً عن سطح الارض وتقع في واد بين ثلاثة جبال مرتفعة، اهمها جبل مار مارون الذي ترتفع قمته الى حدود 1660 م فوق سطح البحر. عدد سكان يبرود يبلغ نحو 80 ألف نسمة، وفق تقديرات تعود الى ما قبل الحرب السورية ومأساة اللجوء. تبعد يبرود نحو 20 كلم عن الحدود اللبنانية، التي تفصلها عنها بلدة فليطة السورية.
سيطرت المعارضة السورية على مدينة يبرود والمناطق القريبة منها قبل نحو سنتين، الا ان ذلك لم يؤد الى اشتباكات في تلك المدينة وكذلك حدث في معظم مدن جبال القلمون، حيث كان هناك نوع من الاتفاق الضمني بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة بعدم قيام قوات الاخيرة باستهداف اوتوستراد دمشق حمص المتاخم لمدن في القلمون كـ"قارّة، في مقابل عدم استهداف الطيران السوري لمراكز المسلحين المعارضين.
ومن قارّة نفسها، بدأ الجيش السوري معركة جبال القلمون في 14 تشرين الثاني الماضي، إذ تمكن من السيطرة عليها وبعدها سيطرَ على كل من بلدة دير عطية ومدينة النبك، في ما سميَّ المرحلة الاولى من معركة القلمون، ومن ثم استؤنفت معارك "المرحلة الثانية" في منتصف شهر شباط الماضي، اذ سيطر الجيش السوري على كل من السحل والجراجير ومزارع ريما المتاخمة لمدينة يبرود، اضافة الى عدد من التلال المشرفة عليها.
يقول الخبير بالشؤون السورية فابريس بالانش، ان "يبرود التي تقع على بعد اقل من عشرة كلم من طريق دمشق-حمص تمثل تهديدا لامن هذا المحور وهي كانت منطلقاً لمقاتلي المعارضة الذين كانوا يشنون من هذه المدينة هجمات على القرى الموالية للنظام وصولا الى تهديد دمشق من جهة الشمال.
ويرى في حديث مع "وكالة الصحافة الفرنسية" انه "باستعادة السيطرة على يبرود، يستعد الجيش السوري لاغلاق الحدود اللبنانية في شكل كامل بحيث ينعدم اي دور لبلدة عرسال، وهذا الامر يريح حزب الله، كما ان النظام يستطيع بذلك التركيز على الدفاع في جنوب دمشق (محافظتا درعا والقنيطرة على الحدود الاردنية) المهدد على الدوام بهجمات المعارضين".
مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن، يقول لـ"النهار" ان "المؤشرات كانت واضحة منذ وصول القوات المهاجمة التي يقودها حزب الله الى تخوم يبرود بان المدينة ستسقط، لكن ليس بهذه السرعة، وقد يكون سبب السقوط هو كثافة الغارات التي شنها الطيران السوري اضافة الى قطع كل الامدادات عن المقاتلين المعارضين".
ويشيرعبد الرحمن الى ان "الخسائر البشرية للمعارضة في معركة مدينة يبرود كبيرة جداً، لكن هناك تكتماً شديداً حول الموضوع، اذ ان بعض قيادات جبهة النصرة مصرّة على نفي سقوط يبرود رغم البث المباشر من هناك وهذا امر مستغرب".
المنفذ الوحيد
العميد المتقاعد وهبي قاطيشا يقول لـ"النهار" ان "اهمية سقوط يبرود في يدّ الجيش السوري وحزب الله بالنسبة للنظام تكمن في انها المنفذ الوحيد من عرسال الى جبال القلمون، كما ان يبرود احدى المدن والقرى التي تتحكم بالطريق السريع، كذلك يمكن لحزب الله القول انه سيطر على المنطقة التي تأتي منها السيارات المفخخة الى لبنان واقفل الطريق بين يبرود وعرسال، لكن هنا يطرح سؤال: هل تأتي السيارات المفخخة فقط من يبرود ؟".
وفي رأيه، "لا تأثير لسقوط يبرود على العاصمة دمشق، فهذه المدينة بعيدة عن العاصمة نحو 60 كلم، وتاليا ليست هي من يشكل خطراً عليها، اما المعارك الحقيقية فهي تخاض في حمص وحلب ودرعا".
كما يرى ان "النظام لم يرد سقوط يبرود لانه يريد اشعال فتنة في لبنان عبر السيارات المفخخة التي تنطلق من يبرود وتنفجر في المناطق اللبانية، لكنه في النهاية خضع لضغوط حزب الله، الذي يمكن اعتباره المستفيد الاول مع اللبنانيين بوقف السيارات المفخخة اذا حصل".
ويشكك قاطيشا في امكانية بقاء الجيش السوري في مدينة يبرود "انها معارك كرّ وفرّ، والجيوش النظامية لا يمكنها الصمود في المدن، لذلك لا يمكن القول ان النظام سيطر على يبرود الى الابد". وتخوف من وصول المسلحين من يبرود الى عرسال، "لان هؤلاء حاقدون على من اخرجهم من بلدهم ومدينتهم، لذلك سيسعون الى خوض معارك مع حزب الله، في البقاع مثلاً او في مناطق اخرى".
بدوره، يقسّم العميد المتقاعد امين حطيط اهمية سيطرة الجيش السوري على يبرود الى ثلاثة عناوين: "الاول عسكري يتعلّق بقدرات القوة المهاجمة التي استعملت خليط بين ما يسمّى مرونة الخرق وبين القوة النارية الهائلة، كذلك يتعلق العنوان الاول بتأثير سقوط يبرود على المناطق المحيطة، اذ ان المعارضة جعلت غرف العمليات الميدانية لمنطقة ريف دمشق في يبرود ".
اما العنوان الثاني وفق حطيط فهو "العنوان الاستراتيجي، فأولا بالسيطرة على يبرود استطاع النظام ربط منطقة الثقل الاستراتيجي اي العاصمة دمشق بمنطقة طرطوس اي بالمياه (البحر). وثانياً يستطيع النظام سحب اعداد كبيرة من القوات الاحتياطية المكلفة حماية دمشق لتشارك في معارك مناطق اخرى لان الخطر عن دمشق قد زال. وثالثا ان المقاتلين المعارضين لم يعد لديهم امل اي ان قتالهم لم يعد من اجل النصر بل من اجل تخفيف الخسائر".
اما العنوان الثالث فيتعلق بـ"تأثير لبنان وتأثره، اذ ان سقوط يبرود يعني فصل لبنان عن الداخل السوري. اضف الى ذلك تراجع نسبة السيارات المفخخة المتجهة من سوريا الى لبنان الى حد كبير، لكن هناك سلبية واحدة على لبنان هي تدفق اعداد كبيرة من المسلحين الى داخل الاراضي اللبنانية الامر الذي سيؤدي الى مشاكل".
في المحصلة، يبدو سقوط يبرود محطة من محطات الكر والفر في الحرب السورية بالنسبة لبعض المراقبين، فيما يرى بعض آخر ان هذا السقوط يحمل رمزية معنوية كبيرة في المعركة المستمرة ويؤسس لتحول كبير في ميزان القوى. يبقى ان سقوط يبرود يخلف اسئلة كثيرة من مثيل: من سيسكن يبرود من اهلها المهجرين ومتى يعودون؟ وهل إقفال "مصنع السيارات المفخخة" كفيل بلجم الاخطار عن لبنان ام ان تدفق الاعداد الكبيرة من المقاتلين الى تخوم الاراضي اللبنانية يقول شيئاً آخر؟ .
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
متتكلمش في السياسة