;ثيراً ما كُتب عن الأسير " أحمد سعدات " " أبو غسان " الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ومكانته الوطنية ، وكثيرة هي الأقلام الوطنية الصادقة ، الشريفة ، المخلصة التي أشادت به وبتاريخه النضالي ومسيرته الكفاحية ، وكثيرين هم الذين تحركوا وتضامنوا وأعلنوا مساندتهم له ، وملايين الألسن رددت اسمه حباً وافتخاراً ، وحناجر أحرار وثوار العالم باختلاف دياناتهم وأطيافهم السياسية ومعتقداتهم الفكرية هتفت له وأشادت ببطولاته وجرأته غير المسبوقة في تحدي الاحتلال ومقاومته .
والثورة الفلسطينية حفرت اسمه على صفحات تاريخها المضيء ، وحجزت له مساحة مرموقة على صفحات مجدها وعزها ، بجانب قوافل قادة عظام سبقوه في النضال والاعتقال والشهادة .
أحمد سعدات من قاضة العمل الوطني تاريخيًا
فالمناضل " أحمد سعدات " لا يقل شأناً عن غيره من قادة العمل الوطني والإسلامي التاريخيين ، فهو قائد وطني كبير، ذو قيمة سياسية عالية ، ومكانة وطنية مرموقة ، وهو واحد من أبرز رموز الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وهو من أبرز من أجاد فن المقاومة والعمل السري داخل فلسطين.
فالرفيق " أحمد سعدات " شكَّل بتاريخه وسلوكه ، بحاضره وماضيه ، تجربة ثورية متكاملة ، وعكس في سلوكه مقولة الشهيد غسان كنفاني " الإنسان قضية " أينما حلَّ وفي أصعب الظروف وأحلكها ، أنصح كل من أحب فلسطين ، ويعشق المقاومة ويناضل ضد الظلم والإحتلال ، أن يقرأ عن الثائر " أحمد سعدات " ، ويتعمق بتمعن في سيرة حياته ، ويقلب صفحاتها ومراحلها المختلفة ، وحينها سيجد أن التاريخ الفلسطيني لم ينصفه بعد ، وأن المقاومة لم تفِ بوعدها بتحريره من سجون الاحتلال الإسرائيلي ، وأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي يقف على رأس الهرم فيها ، مقصِّرة بحقه ، وربما يعود ذلك لصعوبة الظروف المحيطة بها .
وليس بالضرورة أن تكون فلسطينياً ، مسلماً أو مسيحياً ، كي تحترم هذا الثائر ، الذي قضى سنوات عمره في مقاومة الاحتلال والظلم والاستبداد ، وأمضى على فترات متفرقة أكثر من عشرين عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، كما ليس بالضرورة أن تكون منتمياً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وناشطاً في صفوفها ، أو أن تكون قد انتميت يوماً لها ونشطت في أطرها ولجانها ، كي تقرأ أو تكتب عنه وعن مسيرته ، وأن تحترم نضالاته وتجاربه العريقة ومسيرته الرائدة .
فيكفيك فخراً بأن فلسطين الأرض المقدسة التي نناضل من أجل تحريرها من دنس الاحتلال ، هي من أنجبته ليثأر لها من مغتصبيها ولينتقم لشهدائها ، وهو من قال فعل ومن وعد أوفى ومن ردد بجرأة غير مسبوقة ( العين بالعين والرأس بالرأس ) ، فأحبته فلسطين ، وعشق الأحرار اسمه ، وشمخ شعبنا به ، وتحرك ولا يزال يتحرك الجميع باختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية لمناصرته ومساندته ، وللتضامن معه في محنته داخل زنازين العزل الإنفرادي في سجن " ريمون " الإسرائيلي منذ أكثر من خمسمائة يوم .
عصيٌ على الكسر
ويضيف فروانة في مقالته : " سعدات " اعتقل مرات عدة ولم تعرف عضلة لسانه طريقاً للحركة أمام محققيه ، وفي غرف السجون كان نداً قوياً وقائداً محنكاً ووحدوياً إلى أبعد الحدود ، ليثبت علو قدميه على رقاب سجانيه ، فعزلوه بعيداً عن رفاقه وإخوانه الأسرى في زنازين صغيرة ، معتمة وانفرادية لا تعرف الشمس لها طريقاً منذ ما يزيد عن الخمسمائة يوم ، ومع ذلك بقيَّ حاضراً لم ولن يغيب أبداً عن أبناء شعبه ، يسمو بمواقفه الوحدوية، وصموده الأسطوري وشموخه النادر ، ويعلو بتصريحاته الصائبة ، ليسكن أفئدتهم وعقولهم برؤيته السياسية الناضجة وسلوكه النموذجي.
ولا شك أن إدارة السجون الإسرائيلية ومن خلفها الجهات السياسية والأمنية تتعامل معه منذ اللحظة الأولى لاختطافه من سجن أريحا في الرابع عشر من مارس / آذار عام 2006 من منطلق الانتقام والثأر ، من شخصه ومن نهج المقاومة التي يمثلها ، ومن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي يقف على رأس الهرم فيها ، والتي أطلقت الرصاص على رأس وزير السياحة الإسرائيلي " رحبعام زئيفي " في السابع عشر من أكتوبر عام 2001 ، رداً على اغتيال " إسرائيل " لأمينها العام " أبو علي مصطفى " في الخامس والعشرين من آب / أغسطس عام 2001 .
بمعنى اختطاف " سعدات " من سجن أريحا ، ومحاكمته ، وعزله في زنزانة انفرادية والتضييق عليه وحرمانه من أبسط حقوقه ، هي إجراءات سياسية انتقامية ، رداً على ما قام به رفاقه من عمل مقاوم نوعي وغير مسبوق في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ، بل في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي ، حيث لم يسبق للمقاومة فلسطينية كانت أم عربية ، أن قتلت شخصية اسرائيلية بهذا المستوى السياسي .
و " إسرائيل " تهدف من وراء ذلك ، إيصال رسالة لباقي فصائل المقاومة تحذرها فيها من مجرد التفكير بالإقدام على تكرار ما أقدمت على تنفيذه " الشعبية " !.
إجراءات قمعية وانتقامية
واستناداً لرؤيتي المتواضعة هذه أعربت عن قناعاتي بأن تلك الإجراءات الإنتقامية والقمعية التي تنفذ بحق الأسير" سعدات " على مدار اللحظة لم ولن تتوقف ، ما لم نُقدم كفلسطينيين على تغيير نهج التعامل مع قضية سعدات .
وليس هذا فحسب ، بل كنت قد حذرت منذ الأيام الأولى لعزل " سعدات " ، من خطورة استمرار الإجراءات الإنتقامية والتي ربما تصل في مرحلة متقدمة الى التصفية الجسدية المباشرة أو غير المباشرة .
، وكررت هذا التحذير خلال مشاركتي في ندوة بمدينة غزة في السابع عشر من أكتوبر من نفس العام وأمام مئات من الحضور وعشرات من قيادات العمل الوطني والجبهة الشعبية ، ودعوت حينها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل خاص ، لتحم لأن تبحث جدياً في أطرها التنظيمية عن آلية ممنهجة وفق خطة دائمة للتضامن مع أمينها العام الرفيق سعدات ، وإنقاذ حياته .
واليوم وبعد أكثر من خمسمائة يوم مضت على عزل " سعدات " في زنازين العزل الإنفرادي ، أرى بأن صحة سعدات ربما يظهر عليها تدهوراً في الفترة المقبلة ، وأن حياتها برمتها في خطر ، الأمر الذي يدعوني لمناشدة " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " وكل فصائل العمل الوطني والإسلامي وكافة المؤسسات الفاعلة والناشطة في مجال الدفاع عن الأسرى ، إلى التحرك الجاد للتضامن مع " سعدات " والبحث عن سبل فاعلة لإنقاذ حياته .. فحياة " سعدات " في خطر حقيقي .
سعدات متنقلاً بين غرف السجون الإسرائيلية
ومن الجدير ذكره أن " سعدات " سبق وأمضى قرابة عشرين عاما من عمره على فترات متفرقة متنقلا بين غرف السجون الإسرائيلية وزنازينها الانفرادية ، و انتخب أميناً عاماً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بداية أكتوبر عام 2001 ، بعد اغتيال القائد أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة في نهاية آب 2001 ، وأثناء وجوده في سجن أريحا تحت حراسة أمريكية- بريطانية ، انتخب نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 على رأس قائمة الشهيد " أبو علي مصطفى " .
وفي الرابع عشر من آذار / مارس 2006 اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي سجن أريحا واختطفت " سعدات " وأربعة من رفاقه ومعهم مجموعة من المناضلين ، وحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً ، وبتاريخ 16-3-2009 صدر قرار بعزله في زنزانة انفرادية ، ومعاقبته واتخاذ جملة من الإجراءات القمعية بحقه أبرزها حقه في التواصل مع العالم الخارجي ومصادرة حقه في الزيارات العائلية .
وبالرغم من كل ما مُورس ويُمارس ضده ، سيبقى " أحمد سعدات " نداً للاحتلال ، عصيٌ على الكسر ، يأبى الإنكسار أو الإعتراف بشرعية الاحتلال .
[email protected]
أضف تعليق